سر مخالفة المتفق عليه الهجمة الشرسة على الإسلام في هذه الأيام. أ.د عبد الحميد هنداوي مهاجمون لثوابت الإسلام : محمد شحرور - علي منصور الكيالي - محمد الفايد - عدنان رضا - محمد هداية - أحمد عبده ماهر يشغلني الرد على أولئك الذين يعملون الآن على محاولة زعزعة الأحكام الشرعية الثابتة لدى الناس ؛ مثل حرمة الربا وحرمة الزنا وحرمة التبرج والسفور والخمور، وثبوت الحدود الواجبة للسرقة والقتل والزنا وقطع الطريق(الحرابة) وغير ذلك، وهؤلاء أمثال: محمد شحرور - علي منصور الكيالي - محمد الفايد - عدنان رضا - محمد هداية - أحمد عبده ماهر بل وصل الأمر إلى العبث بأركان الإسلام الخمسة ؛ بدءا من التوحيد وانتهاء بالحج؛ فظهر من يجعل الشهادة بالرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم غير واجبة ولا لازمة لصحة الإسلام. وظهر من يدعي أن الصلوات ليست خمسا وإنما هي صلاتان فقط ، وغيره يجعلها ثلاثة؛ بل إن هؤلاء يسمون هذه الصلاة التي يصلِّيها المسلمون بالصلاة الحركية ويرون أنها غير لازمة ولا متعينة، وأن الصلاة غير منحصرة فيها؛ ويذهبون إلى المعنى اللغوي للصلاة ؛ فالصلاة عندهم هي الدعاء والاستغفار وذكر الله والعمل بطاعته أيا كانت تلك الطاعة صدقة أو صلة أو علم أو غير ذلك. ومثل هذه الطعون تجدها في الصيام ، وفي الزكاة والحج ....وهلم جرًّا. بل إن الأمر قد وصل إلى إنكار ثوابت العقيدة كالشفاعة وعذاب القبر والميزان والصراط وحسية الجنة وما فيها من حور عين وأنهار من لبن وعسل وخمر وغير ذلك فيفسرون ذلك كله تفسيرات مجازية. فيا ترى ما السر في إنكار ذلك كلِّه؟ بالطبع لا أسأل عن الأسباب والدوافع السياسية والعدائية المحركة لهؤلاء ، ولا من يقف وراءهم ويدفعهم لذلك ويدفع لهم ويوصلهم إلى أرقى المنابر الإعلامية ويروج أحاديثهم ، ويعيد نشر أكفان من مات منهم ، ويشيع ويذيع تراثهم ، ويعظمهم ويمجدهم ويظهرهم في صورة الأنبياء الذين يوحى إليهم ؛ بله المجددين لهذا الدين، وفي الوقت نفسه يصف مخالفيهم - وهم الأمة قاطبة - بالتخلف والرجعية والتراثية واتباع الآباء والمشايخ ...بل تعدّى الأمر إلى نعتنا بالمشركين الذين يتخذون مع الله آلهة أخرى؛ فيصفوننا بأننا نعبد البخاري من دون الله ، أو يصفنا بعضهم بأننا نتخذ الرسول إلها مع الله ؛ لأننا نعتقد أن له حق التشريع ، وأن سنته تحل الحلال وتحرم الحرام مثل القرآن. بالطبع ؛ لا أسأل عن دوافع هؤلاء ولا من وراءهم يحركهم كالدمى ، أو ينفذون أغراضه عن علم أو جهل. إنما أحاول أن ألتمس لهؤلاء القوم(أمثال: محمد شحرور - علي منصور الكيالي - محمد الفايد - عدنان رضا - محمد هداية - أحمد عبده ماهر) أي عذر أو مبرر حقيقي يدعوهم لذلك غير أن يكونوا مأجورين أو شياطين مضلين يبغون إغواء الناس وإضلالهم. وأنا حيث أفعل ذلك إنما أفعله منطلقا من أمرين مهمين: الأول : ضرورة التوصيف الصحيح للمسألة حتى لا أخطئ في الحكم عليها. الثاني : التجرد والإنصاف وإعذار الناس بعد توصيف أمرهم توصيفا صحيحا؛ وذلك أن كل حكم عليهم بصفة سيترتب عليه ما بعده؛ فتوصيفهم بأنهم جهال يهرفون بما لا يعرفون يحتاجون من يعلمهم، غير وصفهم بأنهم جهال معاندون يركبون الأحموقة ولا يريدون هداية ولا رشادا. وهذا كله غير وصفهم بأنهم غاوون، متبعون للشهوات، ضالون مضلون لغيرهم ، معاندون لأهل الحق، ولسان حالهم يقول: {أخرجوا آل لوط...} وهذا الوصف يختلف عن وصفهم بأنهم مأجورون لغواية الناس وإضلالهم وإلقاء الشبه عليهم لفتنتهم. فالمقصد إذن أن نفرق بين كونهم على حال من هذه الأحوال وبين كونهم أصحاب شبهات ألبست عليهم دينهم ، وتمكنت من عقولهم ؛ ومن ثم ظنوا أنفسهم على الحق فراحوا ينافحون عنه محتسبين في ذلك شأنهم شأن فرق الضلال التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلَّم. وهل يجب علينا أن نرفق بهؤلاء القوم ، ونعذرهم وهم يهدمون ديننا لأجل إحسان الظن بهم أنهم متأولون للقرآن؟ وهل العيب في نصوص القرآن بأن بعضها غير محكمة ولا واضحة لهم؛ أم أن العيب فيهم هم لجهلهم أو لرغبتهم في إشاعة الفتنة بتأويل القرآن عن ظاهره لإضلال المسلمين؟ وهل للقرآن معان ثابتة قطعية محكمة لا يجوز نقضها؛ أم أنه مفتوح الدلالة على مصراعيه يحق لكل من هبَّ ودبَّ أن يفهم منه ما يشاء ، ولو تعددت الأفهام بتعدد أهواء البشر؟؟ ثم أريد أن أبحث عن دواعي هذا الخروج على الثابت المجمع عليه عند سلف الأمة وخلفها؟ بمعنى ما هي دواعي تأويل النصوص الثابتة الدالة على تلك الأحكام والتي اجتمعت أفهام الأمة سلفها وخلفها على الأحكام التي اجتمعت الأمة عليها منها. ولذلك سوف أتطرق لبحث موجبات التأويل ؛ فنبحث: ما هو التأويل؟ وما هي موجباته؟ وفي أي شيء يكون؟ في المحكم أم المتشابه؟ وإذا كانت أفهام السلف قد اجتمعت على فهم تلك الأحكام من تلك النصوص... أفلا يسعنا ما وسعهم؟ أم يقال إن الحياة قد جدَّت بها أمور جديدة ومستحدثات عديدة تجعل هذه الأحكام التي ارتضيها السلف غير مناسبة لنا؛ ومن ثم إما أن نقول إن الله تعالى لم ينزل لواقعنا هذا ما يناسبه؛ وإما أن نعيد فهم هذه النصوص لتتوافق مع واقعنا الذي نعيشه وتتواءم معه. وهذه الجملة الأخيرة هي أعظم شبهات القوم ، وهي ما سوف ننشغل بالرد عليه وتفصيل الكلام في بطلانه. فنقول – بعد حمد الله تعالى – إن كثيرا من الأحكام التي فهمها السلف من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وارتضوها للعمل بها لا يزال يعمل بها إلى الآن كثير من المسلمين ؛ بل يعمل بها الغالبية العظمى منهم ؛ من ارتضوا الالتزام بالكتاب والسنة وهدي السلف الصالح، ولم يجدوا إشكالا ولا غضاضة ولا حرجا كبيرا في العمل بها برغم الواقع المعاند لتلك الأحكام ؛ بل ينافحون لأجل الالتزام بها ويجدون سعادة عيشهم في الحفاظ عليها ، ويؤجرهم الله تعالى ويسعدهم ويبارك لهم في عيشهم جزاء ما تحملوا من عنت في سبيل الالتزام بأحكام دينه في واقع لا يرضاها ولا يرغب في العمل بها. فإذا قلتم : ها أنتم قد اعترفتم أنكم تلقون المشقة والعنت لأجل تطبيق تلك الأحكام فمن ثم وجب تغييرها لتتفق مع الواقع الجديد. قلنا لكم : هذا هو بيت القصيد ! ... قد وصلنا إليه. وهو أننا قد وقفنا بذلك على دواعي تأويل نصوص الشرع الحنيف لديكم. وهذه الدواعي ترجع إلى التالي:
جميع الحقوق محفوظة © تفسير أ.د.عبد الحميد هنداوي