6 May، 2024 الرد على د علي جمعة في نسبته للبيضاوي ما لم يقله أن بناء المساجد على القبور من أقرب القرب. د عبد الحميد هنداوي

الرد على د علي جمعة في نسبته للبيضاوي ما لم يقله أن بناء المساجد على القبور من أقرب القرب. د عبد الحميد هنداوي في حلقة تلفيزيونية يجيب فيها د علي جمعة المفتي السابق على أسئلة مجموعة من الأطفال أو صغار السن يجيب الشيخ عن حكم بناء المساجد على القبور؛ فاستدل في أول كلامه بما نسبه للبيضاوي المفسر أنه قال " وبناء المساجد على أضرحة الأولياء من أقرب القرب." ويقول الشيخ مفسرا هذا الكلام :(يعني من أهم الأعمال الصالحة) وقد استغربت جدا ثبوت هذا الكلام عن البيضاوي ، أو عن أي شخص ينسب إلى العلم الشرعي فضلا عن كونه مفسرا كبيرا مشهورا عالما بتفسير كتاب الله تعالى، ومع ذلك قلت لا بد من البحث والتأكد ؛ فبحثت في تفسيره في جميع الآيات الواردة عن المساجد في القرآن الكريم فلم أجد شيئا من ذلك ؛ ووسعت البحث خارج تفسيره فوجدت كلاما للبيضاوي يخالف ذلك تماما نقله شراح البخاري في شرح الحديث :"عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَذَكَرَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ، بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ»فتح الباري لابن حجر (1/ 525) ثم قال الحافظ ابن حجر في شرحه: "وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ لَمَّا كَانَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَسْجُدُونَ لِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِمْ وَيَجْعَلُونَهَا قِبْلَةً يَتَوَجَّهُونَ فِي الصَّلَاةِ نَحْوَهَا وَاتَّخَذُوهَا أَوْثَانًا لَعَنَهُمْ وَمَنَعَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَأَمَّا مَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي جِوَارٍ صَالِحٍ وَقَصَدَ التَّبَرُّكَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ لَا التَّعْظِيمَ لَهُ وَلَا التَّوَجُّهَ نَحْوَهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْوَعيد"فتح الباري لابن حجر (1/ 525) فوجدنا كلام البيضاوي مختلفا تماما ليس فيه أن بناء المساجد على أضرحة الأولياء من أقرب القرب ، ولا فيه ما يفيد أنه قربة من الأصل ؛ بل ظاهر كلامه مثل كلام جميع الأئمة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد ؛ حيث قال : إن الشرع منع المسلمين عن ذلك ؛ لأان اليهود كانوا يعظمون قبور الأنبياء ويصلون إليها فمنع الشرع المسلمين من ذلك قطعا لذريعة الشرك وحتى لا يشابهو الأمم السابقة في ضلالهم. وغاية ما وجدناه في كلام البيضاوي أنه نفى الدخول في الوعيد لمن "اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي جِوَارٍ صَالِحٍ وَقَصَدَ التَّبَرُّكَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ لَا التَّعْظِيمَ لَهُ وَلَا التَّوَجُّهَ نَحْوَهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْوَعيد" فهو لا يقول إن ذلك الفعل قربة ، ولكن ينفي دخوله في الوعيد المذكور ؛ وبينهما بون شاسع كما بين الثرى والثريا؛ ثم اشترط البيضاوي لذلك شروطا أيضا للجواز وصرف الوعيد عن فاعله لا ليكون قربة ؛ فذكر أنه ينبغي ألا يكون اتخاذ ذلك القبر لتعظيم ذلك الرجل الصالح المجاور قبره بالقرب من المسجد، كما اشترط ألا يكون التوجه نحوه في الصلاة؛ وذلك كله حتى لا يدخل في الوعيد المذكور بكونه من شرار الخلق يوم القيامة ، ويتناوله لعن النبي صلى الله عليه وسلم لفاعله. فأين هذا من نسبة د علي جمعة للبيضاوي أنه قال " وبناء المساجد على أضرحة الأولياء من أقرب القرب." وكيف يقول إنه من أقرب القرب وبناء المساجد على القبور مخالفةٌ للشرع ومجافاةٌ للسُّنَّةِ، وقد بيَّنَ ذلك شراح الحديث؛ فذكروا أنَّ بناء المسجد على القبور من الأمور المنهيِّ عنها. ففي عمدة القاري شرح صحيح البخاري (4/ 174) قَالَ ابْن بطال: فِيهِ: نهي عَن اتِّخَاذ الْقُبُور مَسَاجِد، .. وَفِيه: منع بِنَاء الْمَسَاجِد على الْقُبُور وَمُقْتَضَاهُ التَّحْرِيم، كَيفَ وَقد ثَبت اللَّعْن عَلَيْهِ؟ وَأما الشَّافِعِي وَأَصْحَابه فصرحوا بِالْكَرَاهَةِ، وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيّ: وَالْمرَاد أَن يسوى الْقَبْر مَسْجِدا فيصلى فَوْقه، وَقَالَ: إِنَّه يكره أَن يبْنى عِنْده مَسْجِد فيصلى فِيهِ إِلَى الْقَبْر، وَأما الْمقْبرَة الداثرة إِذا بني فِيهَا مَسْجِد ليصلى فِيهِ فَلم أر فِيهِ بَأْسا، لِأَن الْمَقَابِر وقف، وَكَذَا الْمَسْجِد، فمعناها وَاحِد." وكما ترى تجد أن العلماء لم يجوزوا ذلك ؛ غير أن بعضهم بحث مسألة : إذا كانت مقبرة داثرة ..يعني لم تصر لها حكم المقبرة ، ولا يتخذها الناس مقبرة فحينئذ يجوز بناء مسجد فيها إذا كانت وقفا للمسلمين حتى لا بعطل الوقف لأن معناهما واحد وهو الوقف على المصالح الشرعية للمسلمين. فأين هذا من القول بأنها من أقرب القرب؟؟؟ كذلك فقد أورد الإمام البخاري في صحيحه في ترجمته باباً بكراهةِ اتخاذ المساجد على القبور. وكذا القاضي عياض رحمه الله في كتابه "إكمال المعلم" بترجمته باباً في النهي عن بناء المساجد على القبور . وكذلك صنع ابن رجب الحنبلي في فتح الباري حيث جزم بحرمة بناء المساجد على القبور. وكذلك قرر القرطبي في تفسيره أنَّ بناء المساجد على القبور ممنوع لا يجوز وقد نهت السُّنَّةُ عنه. وقد جزم بذلك النووي قائلاً: "واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر، سواء كان الميت مشهوراً بالصلاح، أو غيره" والحاصل أن بناء المسجد على القبر مخالفٌ للسُّنَّةِ ثم هو عند بعض الأئمة مخالفة مكروهة كما ذكره النووي وعند بعضهم مُخالَفَةٌ مُحرَّمة كما ذكره ابن رجب الحنبلي. وما يُقال من كون الإمام البيضاوي قد استحب بناء المساجد على القبور وجعلها من أقربِ القُرَبِ فغير صحيح،ولم يرد في شيء من كتبه كلام كهذا ؛ إذ كلام البيضاوي وارد في بناء المسجد "جوار" قبر رجل صالح وليس كلامه في بناء المسجد "على" قبر رجل صالح ولم يقل إنَّ ذلك مندوب أو قربةٌ أو من أقربِ القُرَب؛ وإنما اشترط شروطا شديدة لعدم دخوله في الوعيد بالعذاب المذكور ؛ فكيف يقال إنه جعله قربة ؛ فضلا عن القول بأنه من أقرب القرب. ولو ثبت ذلك أو صح عن البيضاوي لما قبله منه أهل العلم لأنه مخالف لما ثبت في السنة الصحيحة فلا يقبل من أي عالم كائنا ما كان؛ حيث قال جميع الأئمة " إذا قلنا قولا يخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم فخذوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم واضربوا بكلامنا عرض الحائط. فكيف وقد نص الأئمة على أنه مخالف للسنة ، وكذلك القول بجواز بناء مسجد جوار قبر رجل صالحٍ قد نصَّ جماعة من الأئمة على كونه مخالفةً للشرع كما هو قول محمد بن الحسن، وكما قرره ابن حجر العسقلاني في فتح الباري فما بالك ببناء المسجد على القبر!؟ فلا نعلم أحدا قال باستحسانه. كذلك لو كانت الصلاة جوار القبر بغرض التبرك بالميت كما هو كلام البيضاوي، فقد نقل النووي عن أصحاب الشافعي عدم جواز ذلك أيضاً! ولما ادَّعى الشهاب الخفاجي مشروعية بناء المسجد على القبر تصدى له أبو الثناء الآلوسي المفسر الصوفي الإشاري المعروف، وفنَّدَ قوله في تفسيره "روح المعاني" ووصف هذا القول بأنه "عاطل كاسد" قال الشيخ محمد رشيد رضا :"قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ((مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللهِ حَسَنٌ)) رَوَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ فِي السُّنَّةِ لَا فِي الْمُسْنَدِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، وَيَسْتَدِلُّ بِهِ الْجُهَّالُ حَتَّى مِنَ الْمُعَمَّمِينَ أَدْعِيَاءِ الْعِلْمِ عَلَى اسْتِحْسَانِ الْبِدَعِ الْفَاشِيَةِ حَتَّى فِي الْعَقَائِدِ الثَّابِتَةِ كَبِدَعِ الْقُبُورِ الَّتِي كَانَ يَلْعَنُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعِلِيهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، مِنْ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا، وَالصَّلَاةِ إِلَيْهَا، وَإِيقَادِ السُّرُجِ وَالْمَصَابِيحِ عِنْدَهَا، بَلْ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ عِبَادَتُهَا بِالطَّوَافِ حَوْلَهَا، وَدُعَاءِ أَصْحَابِهَا وَالنَّذْرِ لَهُمْ، وَالِاسْتِغَاثَةِ بِهِمْ، حَتَّى فِي الشَّدَائِدِ وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ. بَلْ كَانُوا فِيهِ يُخْلِصُونَ الدُّعَاءَ لِلَّهِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ."تفسير المنار (11/ 29)