27 April، 2024 نحو لغة عربية تلائم عموم الجماهير

نحو لغة عربية تلائم عموم الجماهير

الفكرة والأهداف

لا يخفى على أحد من الدارسين ومحبي اللغة العربية وجود تلك الفجوة أو الجفوة بين العربية وأهلها ؛ فثمة تعارض لا مبرر له بين العربية بفصاحتها وجمالها وسلاستها وبين هجران أهلها لأكثر كلماتها الفصيحة أو استعمالها بدلالة محرفة عن دلالتها الأصلية ، أو باللحن في صيغها وأبنيتها الصرفية وقواعدها النحوية ؛ ناهيك عن غياب اللغة الفنية ، والأساليب الجمالية في كثير من أدائنا.

غير أن هذا ليس هو معظم الخطر والضرر ؛ حيث إن من الطبيعي أن يكون للهجات تصرفها في لغاتها بما يساير أغراض الحياة اليومية النمطية التي لا يعنى فيها كثيرا بتحقيق الصحة اللغوية ؛ فضلا عن الصحة الفنية باستعمال الأساليب الجمالية ؛ بل يكتفى عادة بتوصيل المعاني التي يساعد في توصيلها دلالة الحال ودلالة العرف ودلالة الإشارة وغير ذلك.

وإذا كان هذا يضعف من العربية الفصحى ويزاحمها فإن خطره لا يقل عن خطر آخر أراه هو الأخطر والأهم ؛ وهو تلك الفجوة الحاصلة بين عرض اللغة العربية علما قد رسخ في ذهن العامة بغرابة ألفاظه ، وصعوبة تراكيبه، وتعقيد قواعده، وتكلف منظريه من النحاة والبلاغيين وسائر اللغويين.

 ومن ثم تدور فكرة هذا الطرح حول اقتراح عدد من الوسائل والخطط التي يهدف من خلالها إلى تيسير اللغة العربية الفصحى وجعلها في استطاعة عموم الجماهير.

فروض وأسئلة:

تتمثل فرضية هذا الطرح الأساسية في أن هناك فجوة بين اللغة العربية الفصحى وبين الاستعمال الجماهيري لها ؛ ومن ثم فنحن بحاجة للبحث عن أسباب عزوف العامة عن تعلم العربية بصورتها الصحيحة واستعمالها استعمالا صحيحا ؛ لا نقصد بطبيعة الحال استعمالها في تعاملاتهم الحياتية اليومية ؛ بل نقصد – على الأقل – استعمالها بصورة صحيحة في الأمور الرسمية كالإذاعة والتلفاز والصحافة وكافة الوسائل الإعلامية ؛ فضلا عن وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية بصورها المختلفة؛ خاصة مع هذه الثورة التكنولوجية الحديثة وثورة المعلومات وانتشار مظاهر التغريب باستعمال الألفاظ والعبارات الأجنبية الوافدة في كل مظاهر الحياة العامة في المأكل والملبس والمشرب وكل مصادر الثقافة المعاصرة ومناهج التعليم ودور الترفيه كالمسارح ودور الخيالة.

كما أننا نزعم أن لغتنا العربية تمتلك من الثراء والغنى ما يجعلها لغة عامة تتسع لجميع مستويات البشر ، وتتسع للعديد من السياقات والمقامات ؛ ولذا نفترض هنا أن بإمكان المسئولين عن التعليم وضع برامج تعليمية ميسرة تعليم الفصحى ويراعى فيها مناسبة كل مستوى من مستويات الدرس اللغوي حسب حال المتعلمين وثقافتهم وبيئاتهم.

ومن ثم أحاول في هذا الطرح الإجابة عن هذه الأسئلة:

  • كيف نغرس في أبنائنا محبة اللغة العربية؟
  • وظيفة الأسرة
  • وظيفة المدرسة
  • وظيفة الجامعة
  • وظيفة وزارات التربية والتعليم
  • وظيفة مجامع اللغة
  • وظيفة وسائل الإعلام
  • كيف يمكننا تيسير اللغة العربية الفصحى للعامة حسب بيئاتهم وثقافاتهم المختلفة؟
  • كيف يمكننا تيسير اللغة العربية الفصحى للناطقين بغيرها؟

محاور هذا الطرح:

العزوف عن تعلم واستعمال العربية الفصحى صوره وأسبابه:

سبق أن قررنا أن ثمة فجوة بين العربية بفصاحتها وجمالها وسلاستها وبين الاستعمال العام أو الجماهيري لتلك اللغة؛ يتمثل ذلك في هجران أهلها لأكثر كلماتها الفصيحة أو استعمالها بدلالة محرفة عن دلالتها الأصلية ، أو باللحن في صيغها وأبنيتها الصرفية وقواعدها النحوية ؛ ناهيك عن غياب اللغة الفنية ، والأساليب الجمالية في كثير من أدائنا.

حيث تميل العامية إلى التبسيط ولاسيما في القواعد حيث تختفي صيغة المثنى تقريبا وينقص عدد الضمائر، وتختفي أوزان الجمع، وحركات الإعراب مما يجعلها لغة غير علمية ؛ فهي بذلك لا تمتلك القدرة على الوصف الصحيح المنضبط للظواهر إلا بكلام كثير أو باستعمال بدائل غير لغوية.

فاللغة الدارجة " مستوى تعبيري يتخاطب به العامة عفويا في الحياة اليومية، وهو مستوى غير خاضع لقواعد النحو والصرف ويتصف بالتلقائية والاختزال، إنها عربية فقدت بعض الخصائص الموجودة في الفصحى مثل الإعراب" ([1])

صاحب ذلك أو لازمه عزوف كثير من الأسر عن الاهتمام بتعليم أبنائهم اللغة العربية الفصحى بالقدر الذي يقارب اهتمامهم بتعليم أبنائهم اللغات الأجنبية الرائجة من الصغر في سن لا تقبل فيه رؤوس هؤلاء الأطفال أنظمة لغوية متعددة تزاحم النظام اللغوي السابق في التعلم ؛ ومن ثم يضعف أبناؤنا عن تعلم اللغة العربية لغة ثانية ؛ فضلا عن ضعف تقبلهم لها.

ومن صور العزوف عن استعمال الفصحى الاستعمال الصحيح لها ما نراه وتعج به وسائل الإعلام المختلفة من صحافة وإذاعة وتلفاز وإنترنت ، وما يعلو أبواب المحال في شوارعنا ومياديننا من الأسماء الأجنبية ، وما يشيع في استعمال كثير من العامة – لا سيما الشباب – من الميل إلى استعمال العبارات والأساليب الأجنبية في حياتهم اليومية ؛ حتى فيما لا حاجة إليه كألفاظ التحية؛ ورغم بقاء اللغة العربية وصمودها بكل أصولها وقواعدها وجمالياتها فإن الشكوى مريرة من هجران أهلها لها حتى وصفها البعض بأنها صارت لغة بلا أمة. ([2])

أما عن أسباب شيوع تلك الظاهرة:

فنجد أن أكثر الناس يرجع ذلك – عند سؤالهم عن أسبابه -  إلى صعوبة تعلم اللغة العربية.

وبعضهم يكون أكثر صراحة فيذكر أن ذلك يرجع إلى التفوق المادي والحضاري الذي يتمتع به أصحاب اللغات الأخرى ؛ فالإنجليزية مثلا هي اللغة الرائجة في كثير من المجالات كالتجارة والصناعة والسياحة والطب والهندسة وغيرها ، وكذلك باقي اللغات لكل منها نصيب من ذلك لا تطاوله اللغة العربية في واقعنا المعاصر.

 

كيف نغرس في أبنائنا محبة اللغة العربية؟

وكيف نصل إلى لغة عربية تلائم عموم الجماهير؟

لقد جمعت في الطرح بين هذين السؤالين لشدة الارتباط بينهما ؛ وذلك أنه لا إقبال على هذه اللغة دون محبة لها ؛ وكذلك كل خطوة لتيسير اللغة ستؤدي حتما لمحبة هذه اللغة والتعلق بها.

فلا شك أن من أهم المقترحات لإشاعة استعمال اللغة العربية الفصحى والإقبال عليها هو أن نغرس في أبنائنا محبة اللغة العربية وننشئهم على الاعتزاز بها والتعود عليها منذ نعومة أظفارهم.

  • وظيفة الأسرة

الأسرة هي المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل اللغة بلا خلاف ؛ فإذا كانت تلك الأسرة محبة للغة العربية معتنية بتعلمها ، معتزة باستعمالها والانتماء إليها ؛ فسوف ينشأ أفرادها على ذلك ؛ أما إذا كانت على العكس من ذلك تؤثر اللغات الأجنبية عليها ، وتعتز بها دونها فلا ينتظر أن يعتني أبناء هذه الأسرة باللغة العربية أو يقبلون عليها.

إن على الأسرة – لا سيما المسلمة – أن تنشئ أبناءها على محبة اللغة العربية والاعتزاز بها ؛ بل وتدربهم على استعمالها بإجراء حوارات تعليمية مباشرة بين الأب والأم والأبناء في أوقات يتخيرونها للتدرب والتعلم؛ وتنطلق الأسرة في ذلك من كون اللغة العربية هي لغة أمتنا الإسلامية والعربية تحمل تراثها وقيمها الأصيلة ، وهي قبل ذلك لغة ديننا ، وبها نزل كتاب ربنا ، وسنة نبينا – صلى الله عليه وسلم.

كما أن عليها أن تعتني بمادة اللغة العربية وقواعدها التي تدرس في المراحل الدراسية المختلفة ؛ فتعطيها جهدا زائدا عن حب ورغبة في التعلم ومعرفة بقيمة هذه اللغة وفائدتها في معتقداتنا وهويتنا وحياتنا العملية.

كما أن على الأسرة أن تحث أبناءها وتشجعهم على القراءة فيما يحبون أن يقرأوه من المكتوب باللغة الفصحى شعرا كان أو نثرا من القرآن أو السنة أو القصص والروايات والمسرحيات الهادفة.

  • وظيفة المدرسة

لعله من نافلة القول أن نتحدث عن وظيفة المدرسة وأثرها في تنمية لغة الطفل وإصلاحها وإثراء معجمه اللغوي؛ غير أننا نريد التركيز هنا على بعض المقترحات التي نراها مهمة لتيسير تعلم اللغة وإتقانها؛ فمن ذلك:

  • الاهتمام باللغة الحية قراءة وسماعا؛ فلا بد أن يكون نصيب التدريب اللغوي بالقراءة والسماع أكبر من الدرس والكتابة حتى تؤخذ اللغة بما يشبه السليقة أو يقاربها.
  • الاهتمام بالتخاطب باللغة العربية الصحيحة الفصحى داخل قاعة الدرس ما أمكن ، وإجراء حوارات مع الطلاب باللغة الفصحى سواء حول الدرس أو حول أمور حياتية؛ وذلك حتى تصبح اللغة شبيهة بالسليقة بالنسبة لهؤلاء الطلاب؛ فمعلوم أن اللغة إنما أتقنت بالأداء والتخاطب والسليقة لا بتقعيد القواعد وحفظها ؛ فلا يشك شاك في أن أحد شعراء الجاهلية أو خطبائهم هو أفصح من أعظم أساتذة اللغة والأدب في العصور التالية لهم إلى العصر الحديث.
  • تنمية المحفوظ من الموروث اللغوي سواء كان من القرآن الكريم ، أم من الحديث النبوي الشريف أم من شعر الفصحى خاصة في عصور ازدهار الشعر وجنوحه نحو السهولة واليسر واستخدام ألفاظ الحضارة والحياة اليومية بدءا من العصر العباسي فما يليه ؛ مع التركيز على شعر الفصحى الحديث والمعاصر.

ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال تشجيع الطلاب على الاشتراك في المسابقات المختلفة كمسابقة حفظ القرآن الكريم أو السنة النبوية أو الشعر العربي؛ على أن ترصد لتلك المسابقات جوائز قيمة تغري الطلاب بالاشتراك فيها وتراعي مستوياتهم المختلفة.

  • رعاية المواهب الأدبية المختلفة وتشجيعهم بالمكافآت والجوائز القيمة ؛ سواء في مجال كتابة الشعر أم النثر بفنونه المختلفة كالقصة والرواية والمقال والمسرحية.
  • الاهتمام بالجانب الفني وعدم إغفال أثره في تنمية اللغة وإثرائها وإشاعة السهل الصحيح من مفرداتها وأساليبها وصورها الجمالية؛ فلا شك أن اشتراك الطالب في أنشطة فنية تقدم باللغة الصحيحة الميسرة في الإنشاد والتمثيل المسرحي
  • الاهتمام بالمكتبة العربية في مكتبة المدرسة ، وأن تخصص حصة أسبوعية على الأقل للقراءة في المكتبة والاطلاع على ما فيها والتعرف على الكتب المفيدة والشيقة التي تتناسب مع المرحلة التعليمية التي يمر بها الطالب.
  • وظيفة الجامعة

على الجامعة أن تكون امتدادا للمدرسة في المحافظة على اللغة العربية وتيسيرها والاعتناء بها ؛ وذلك من خلال عدد من المقترحات ؛ منها:

  • تفعيل ما سبق اقتراح العناية به في مراحل الدراسة المختلفة من خلال تشجيع الجامعة على حفظ الموروث اللغوي بكافة صوره ، ورعاية المواهب الأدبية والفنية التي تعنى بتقديم اللغة سهلة فصيحة ميسرة.
  • تعميم تدريس مادة اللغة العربية في جميع الكليات النظرية والعملية ؛ وذلك إذا كنا جادين في تخريج دارس قادر على تقديم ما درس بلغة عربية صحيحة في المحافل والمؤتمرات المختلفة ، أو من خلال الكتابة في الصحف والمجلات والنشرات العامة؛ فنحن بحاجة إلى الطبيب أو المهندس في الصناعة أو الزراعة ...إلخ الذي يحاضر في مؤتمرات بلاده العربية ومحافلها ويكتب في صحفها ونشراتها بلغة عربية صحيحة ميسرة تلائم عموم الجماهير.
  • وظيفة وزارات التربية والتعليم

لا شك أن ثمة أمورا لا تملك المدرسة زمامها ؛ إذ يرجع الأمر فيها إلى الإدارة العليا بوزارة التربية والتعليم ، ومن مثل هذه الأمور:

  • تقدير مدرس اللغة العربية ، وتحسين مستواه المعيشي حتى يتفرغ لأداء مسئوليته على أكمل وجه.
  • زيادة الحصص التدريبية التي تدرب على النطق والتخاطب ؛ حتى يحدث للطلاب ما يمكن أن نسميه بالبرمجة اللغوية المباشرة عن طريق اكتساب اللغة بما يشبه السليقة.
  • زيادة المقدرات المادية المرصودة لرعاية المواهب الأدبية على اختلاف أنواعها.
  • تقديم المادة الدراسية في صورة حديثة محببة إلى الدارس وتراعي المرحلة العمرية التي يتعلم فيها.
  • وظيفة المجامع اللغوية

لا يمكن أن نغفل هنا وظيفة المجامع اللغوية في تطوير السعي نحو الوصول إلى لغة عربية تلائم الجماهير ؛ فالمجمع اللغوي المصري خاصة ؛ فضلا عن غيره من المجامع العربية يقدم للغة العربية خدمات جليلة تتمثل في صناعة المعاجم والموسوعات اللغوية وإصدار الفتاوى اللغوية والقرارات المجمعية فيما يختلف فيه الألفاظ والعبارات والأساليب ، وتشجيع إنتاج التراث اللغوي ، والبحوث الخادمة لتطوير اللغة العربية.

ومعلوم أن ذلك كله بالغ الأهمية وله أكبر الأثر في الحفاظ على اللغة العربية ؛ لكن الأمر بحاجة إلى مزيد من الجهود في ذلك.

 ولذا نقدم هنا عدة مقترحات ؛ مثل:

  • إصدار معجم موسوعي ميسر يتم تطويره بالإضافة المستمرة من خلال طبعات مزيدة ومنقحة تصدر مثلا كل ثلاث سنوات يشتمل على خلاصة ما أجازه المجمع وما منعه من مفردات ومصطلحات وتراكيب حياتية معاصرة ؛ مع الإحالة إلى مواضع شرح القرار وبيان تفاصيله العلمية.
  • العناية بالتعريب وإنتاج المعاجم العلمية بصورة متطورة تلاحق كل ما يجد من المستحدثات العلمية ؛ مثل معاجم المصطلحات الطبية ، ومصطلحات الهندسة الصناعية ، والزراعية ...إلخ ، والعمل على دوام تطويرها.

"وأمام التقدم العلمي والتقني الرهيب الذي يمر به العالم وأمام الثورة المعلوماتية الحادثة الآن أصبحت هناك حاجة لتحديد المصطلحات العلمية وتعريبها.

وقد أثبتت اللغة العربية أنها قادرة على التعبير في شتى فنون العلم، وأنها استوعبت كل ما نقل إليها من علوم الأمم الأخرى في الفلسفة وفي المنطق وفي الطب والصيدلة والكيمياء والرياضيات، فكل لغة صالحة للإنتاج الفكري لغة قادرة على التعبير والاستيعاب، خاصة وأن تعريب العلوم جانب اجتماعي خطير يجب ألا يهمل.

وعملية تعريب المصطلحات العلمية عملية تحتاج إلى إشراك أكبر عدد من المتخصصين والهيئات والاتحادات العلمية العربية المعنية بالإضافة إلى إنشاء مؤسسة عربية متخصصة كل في مجاله.

 فلابد من إنشاء مؤسسة عربية علمية لترجمة وتعريب المصطلحات الطبية، وترجمة وتعريب المصطلحات الزراعية، وغيرها لترجمة المصطلحات التجارية وهكذا في بقية التخصصات. وهذه العملية تتعرض لعقبات لايستهان بها، والأمر لايتوقف على توفير بضعة مصطلحات في هذا التخصص أو ذاك، أو الاكتفاء بترجمة كتب علمية فقط، وإنما التعريب قضية مستمرة ومعقدة الجوانب نتيجة للتوسع المعرفي والتقني في العالم. تتولى إصدار مجلات ونشرات علمية باللغة العربية.([3])

  • تشجيع الباحثين على تقديم البحوث والمقترحات التي تعمل على تيسير اللغة وإشاعة استعمال الفصحى لعموم الجماهير.
  • رصد الحوافز والمكافآت القيمة المناسبة لتشجيع الباحثين ودارسي اللغة لخدمة اللغة العربية ، وتقديم الحلول لمشكلاتها المعاصرة، وإشاعتها ، وتيسير استخدامها في واقعنا المعاصر.
  • وظيفة وسائل الإعلام

لا يماري أحد في أن وسائل الإعلام تعمل عمل السحر في تشكيل لغة المخاطبين فضلا عن تشكيل أفكارهم وهوياتهم؛ ومن ثم لا يمكن إغفال أثرها في إمكانية الوصول إلى لغة عربية تلائم الجماهير أو إعاقة ذلك ؛ حيث تعتبر وسائل الإعلام المصدر الأول لمعظم المواد اللغوية المستحدثة، فهي تقذف - من حين إلى حين -بآلاف الكلمات والتعبيرات والأساليب الحياتية اليومية التي قد تعجز مجامع اللغة العربية المختلفة عن ملاحقتها.

فمن ذلك تلك المصطلحات المستحدثة مثل: غسيل الأموال، والعولمة الكونية، والحرب الباردة، خفض معدل التضخم، الخَصْخصة، الاستنساخ، الممارسات القمعية....إلخ

 ومن ثم نقترح عدة أمور في هذا الصدد ؛ منها:

  • الاهتمام بأن يكون تقديم البرامج المختلفة في الإذاعة والتلفاز باللغة العربية الصحيحة الميسرة.
  • الاعتناء بتصحيح لغة المذيعين ومقدمي البرامج المختلفة ؛ وذلك من خلال عقد دورات تخصصية لهم تدربهم على تصحيح لغتهم ، وتجنبهم الأخطاء الشائعة التي يقعون فيها.
  • على الدولة وأجهزة الإعلام التابعة لها أن تعتني بتقديم الأعمال الفنية الراقية باللغة العربية الفصحى مثل المسلسلات والأفلام الدينية والتاريخية ونحوها؛ فهذا له أثر بالغ في إشاعة الفصحى بين عموم الجماهير.
  • على الدولة وأجهزة الإعلام التابعة لها أن تعتني بتقديم الأعمال الفنية المناسبة للأطفال باللغة العربية الفصحى الميسرة؛ فهذا له أكبر الأثر في أن تصبح اللغة العربية قريبة من السليقة بالنسبة لهم ، محببة إلى قلوبهم.
  • على أجهزة الإعلام أن تحترم اللغة العربية وتقدسها لأنها اللغة التي تحمل هويتنا العربية والإسلامية ، وهي لغة القرآن الكريم ؛ فمن ثم فهي لغة مقدسة ؛ فلا يقبل بحال عرض مدرس اللغة العربية في صورة هزيلة ساخرة محتقرة ينفر منها الناس ويسخرون.

كما لا يجوز كذلك السخرية من الفئات التي تلتزم التحدث بالفصحى كالمأذون وإمام المسجد ومقرئ القرآن ومعلم الكتاب ونحوهم.

وكذلك لا يجوز الاستهزاء بالمأثور من كلام العرب شعرا أو نثرا بعرضه في صورة ساخرة تبرزه في صورة الكلام المعقد أو الأعجمي.

كيف يمكننا تيسير اللغة العربية الفصحى للعامة حسب بيئاتهم وثقافاتهم المختلفة؟

لكي يكون تفكيرنا سديدا في هذا الأمر ؛ لا بد أن نبدأ أولا بتوصيف الواقع الذي يعيشه عامة الناس في بلادنا ؛ ثم نتأمل أسباب بعدهم عن استعمال وفهم اللغة الصحيحة ؛ ومن ثم نستطيع التوصل إلى حلول مجدية في هذا الجانب أو مقاربة.

أما بالنسبة لتوصيف واقع العامة في بلادنا ؛ فنستطيع أن نقول:

  • إن عامة الناس في بلادنا من طبقات الريفيين المزارعين، أو الحرفيين من أصحاب المهن المختلفة ، وهؤلاء في الغالب لا يستطيعون القراءة والكتابة ، وتتفشى فيهم الأمية بنسبة كبيرة.
  • وثمة طائفة لا يستهان بها من المتسربين من الدراسة في مراحلها المختلفة ، أو من ذوي المؤهلات المتوسطة ، وهؤلاء يتعثرون في القراءة بدرجة كبيرة ، وليس لديهم الإمكانات الكافية لقراءة نص عربي قراءة صحيحة ؛ فضلا عن فهمه الفهم الصحيح.
  • ثمة طائفة ثالثة من أصحاب الوظائف المختلفة وخريجي الجامعات قد يكونون أحسن حالا ممن قبلهم ؛ لكنهم كذلك دون المعرفة الصحيحة باللغة العربية والقدرة على التخاطب بها بصورة صحيحة.

ومن ثم أتصور أن يكون العلاج كالتالي:

  • التوسع في إنشاء مراكز محو الأمية وتعليم القراءة والكتابة ، مع الاعتناء بتلك المراكز وبالمدرسين فيها ؛ بأن يكونوا ذوي كفاءة واختصاص ، وليس كحال كثير منهم في هذه المراكز من حيث قلة الخبرة والدراية الكافة بمناهج وطرق التعليم.
  • تقديم برامج متميزة لمحو الأمية من خلال الإذاعة والتلفاز لتغطي أكبر شريحة من المتعلمين.
  • تقديم برامج متميزة لتقديم وتيسير الثقافة العربية عموما بمختلف أنواعها من خلال عرض الفنون والآداب المختلفة عرضا ممتعا مشوقا؛ من خلال الإذاعة والتلفاز لتغطي أكبر شريحة من أصحاب الثقافة المتوسطة.
  • تشجيع الكتابات الراقية التي تناسب العامة من خلال القصة والرواية والمسرحية التي تغطي أكثر المفردات والأساليب التي يحتاجها العامة في حياتهم اليومية.
  • تقديم برامج تفسير القرآن الكريم وشروح السنة النبوية بطريقة سهلة ميسرة تخاطب العقول والقلوب؛ ولعل تجربة تفسير القرآن الكريم التي قدمها فضيلة الشيخ الإمام الراحل محمد متولي الشعراوي ؛ تمثل تجربة فريدة من نوعها يسرت فهم القرآن الكريم ؛ ومن ثم يسرت الثقافة العربية بفهم مفردات العربية وأساليبها بطريقة لم يُسبق إليها ، ولم يُدرَك فيها إلى يومنا هذا.
  • كيف يمكننا تيسير اللغة العربية الفصحى للناطقين بغيرها؟
  • مواكبة حاجة العصر بتأليف ميسر للغة:

لقد وضع علماؤنا القدامى قواعد اللغة العربية، وقتلوها بحثا ودراسة في إطار ظروف عصرهم وبيئتهم، ولكن هذا الجهد العظيم الذي بذلوه توقف للأسف الشديد، كما يقول أ.د/ كمال بشر؛ فهو يقرر أننا: «لا ننكر أن علماء العربية قد اجتهدوا وألفوا وأجادوا ووصلوا إلى حصيلة هائلة عميقة من القواعد التي حفظت اللغة العربية وحافظت على خواصها الأساسية حتى وصلت بجهود هؤلاء العلماء إلى مكانة مرموقة بين لغات العالم». ويؤكد: « أنهم قتلوها دراسة وبحثا وأشبعوها نظرًا وتأملاً، وجروا خلف ظواهرها. يجمعون ويسجلون، حتى حفلت المكتبة العربية القديمة بتراث لغوي ضخم، متشعب النواحي ومتعدد الجوانب».

لكن لنا أن نتساءل هل لا زالت تلك الجهود كافية لنا حسب ظروف عصرنا لاستيعاب قواعد اللغة العربية وأدواتها بطريقة تناسب ظروف هذا العصر ومستجداته؟

 و لذا يقرر د. بشر منصفًا ومحقًّا: «أن النظرة الموضوعية المنصفة تقودنا إلى تسجيل بعض نواحي القصور في المنهج الذي اتبعوا، وفي طرائق التقعيد التي اختاروا. وذلك - بالطبع- إنما يصح إطلاقه فيما لو أخذنا مناهج البحث اللغوي الحديث دليلًا للعمل وأساسًا للمناقشة، وإلا فإن جملة ما أتى به هؤلاء القوم في حد ذاته عمل علمي رائع، وبخاصة إذا ما أخذنا في الحسبان ظروف حياتهم وأدوات معايشهم آنذاك، حيث كانت وسائل المعرفة محدودة وعدد البحث وأجهزته معدومة»([4])

كما أن ارتباط هؤلاء القدامى بثقافات عصورهم وعلومها السائدة -كتقيدهم بعلم المنطق في العلوم اللغوية على سبيل المثال – قد أدى إلى إحداث نوع من الاضطراب المنهجي في التقعيد ؛ ويمثل لذلك د/ كمال بشر بقوله: «ولنشر الآن إلى مثال واحد من أمثلة الاضطراب المنهجي في التقعيد، بسبب الخروج عن واقع اللغة والاعتماد على مناهج أو أفكار جانبية لا تلائم الحقيقة اللغوية بمعناها الدقيق. كثيرًا ما كان علماء العربية يلجؤون إلى المنطق، يلتمسون منه العون في تقعيده وضبط أحكامه؛ فجاءت بعض أعمالهم في هذا المضمار مخالفة للواقع اللغوي والاستعمال الحي للغة، الأمر الذي أدَّى إلى تعقيد بعض جوانب هذا النحو واضطراب شيء غير يسير من قوانينه، بحيث أصبحت مثارًا للشكوى في القديم والحديث، وسببًا من أسباب النفور منه وعدم القدرة على فهمه واستيعابه في يسر وسهولة» ([5])

إن هذا الذي يقرره كبار الباحثين في اللغة يقتضي عملا دؤوبا لا يركن إلى ما قدمه القدماء، ولا يقف عند حدوده ، ولكن علينا أن نجتهد في الإفادة من أدوات العصر وآلاته ووسائله المتقدمة في تيسير البحث اللغوي بما يلائم ظروف هذا العصر.

كما علينا أن نعيد النظر فيما قدمه أسلافنا فنعمل على تخليصه من آثار التعقيد التي لازمته بحكم علوم عصرهم وفلسفاته وثقافاته السائدة آنذاك.

إن الباحث المتأمل في كثير من كتب النحو والبلاغة واللغة عموما يجد أن  البحث قد بدأ بما يقرره المنطق ثم يتبع ذلك التماس الشواهد والأدلة من اللغة سواء كانت مطابقة أم متعسفة متكلفة.

والمنطق الصحيح يقرر أن نبدأ باستقراء اللغة ثم نقوم باستخلاص القواعد ، وهذا ما فعله الدارسون الأوائل بلا شك ؛ لكن الآفة جاءت من العصور المتأخرة التي ساد فيها المنطق والفلسفة اليونانية التي زجَّ بها كثير من الدارسين المتأخرين في سائر العلوم والفنون.

ومن ثم فلا بد من تيسير علوم العربية لعموم الدارسين ؛ فضلا عن الناطقين بغيرها فهؤلاء ينبغي أن يكون لهم تيسير خاص ومراعاة لظروفهم وبيئاتهم وثقافاتهم ؛ ولذا يتم تصنيف مصنفات خاصة بهم ، بمنهجية خاصة تراعي هؤلاء الأعاجم الذين ليس بينهم وبين هذه اللغة رحم ولا وشائج كغيرهم من الدارسين الذين يتكلمون العربية بلهجاتها المختلفة اقتربوا أو ابتعدوا عن استعمال اللغة الفصيحة.

  • استخدام الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة في التعليم لا سيما في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها

لقد اتسع نطاق التعليم الإلكتروني فصار يشمل الكتب الإلكترونية، والمجلات الإلكترونية، والمكتبات الإلكترونية، التي أتاحت للطلاب في جميع أنحاء العالم، الحصول على المعلومات إلكترونياً بسهولة وسرعة فائقة.

كما يمكن للمتعلمين التحدث مباشرة مع المتكلمين باللغة الأصلية ويتواصل معهم عبر شبكات الإنترنت تحدثاً واستماعاً وكتابة، ومن ثم يستطيع المتعلم الأمريكي أو الفرنسي أو الكندي ...إلخ أن يتعلم اللغة العربية وأن يتواصل مع المعلمين أو المراكز التعليمية في الوطن العربي ويستمع إلى اللغة العربية الفصحى، ويتلقى منهم الرسائل العربية المكتوبة عبر البريد الإلكتروني أو من خلال الفيس بوك أو الشات فيتمكن من سماع اللغة من أصحابها الأصليين فيتعلم اللغة بإتقان أكثر وسرعة أكبر لم تكن لتتاح له قبل استخدام تلك الوسائل الحديثة.

خاتمة:

حاولت في هذا الطرح الإجابة عن عدد من الأسئلة والفروض العلمية التي يفترضها هذا البحث؛ مثل:

  • كيف نغرس في أبنائنا محبة اللغة العربية؟

وذلك من خلال تقديم عدد من المقترحات لتعميق محبة اللغة العربية في نفوس أبنائنا من خلال :

  • وظيفة الأسرة
  • وظيفة المدرسة
  • وظيفة الجامعة
  • وظيفة وزارات التربية والتعليم
  • وظيفة مجامع اللغة
  • وظيفة وسائل الإعلام
  • كيف يمكننا تيسير اللغة العربية الفصحى للعامة حسب بيئاتهم وثقافاتهم المختلفة؟
  • كيف يمكننا تيسير اللغة العربية الفصحى للناطقين بغيرها؟

هذا، ويأمل هذا الطرح أن يسهم في الدفع نحو الاتجاه الصحيح في تيسير اللغة العربية لعموم الناطقين بها، وغرس محبتها في قلوب الناشئة من أهلها ومن الراغبين في تعلمها من غير أهلها.

ثبت بأهم المراجع

  • د. فتحي جمعة – اللغة الباسلة- دار النصر للتوزيع والنشر – الطبعة الخامسة – 2000م
  • المجلس الأعلى للغة العربية (2008م). الفصحى وعاميتها: لغة التخاطب بين التقريب والتهذيب. أعمال الندوة الدولية التي نظمت بالتعاون مع وزارة الثقافة ضمن فعاليات الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007م المنعقدة يومي 4- 5 يونيو/ حزيران 2007م. الجزائر: المجلس الأعلى للغة العربية.
  • د. محمد حسن عبد العزيز (1992). الوضع اللغوي في الفصحى المعاصرة، دار الفكر العربي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1413هـ / 1992م
  • د. محمد عبد الرؤف الشيخ - اللغة العربية والتحديات المعاصرة – دار البشير – الشارقة – 2020م
  • بشر، محمد كمال (1998م): اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم، القاهرة، دار غريب.

([1])المجلس الأعلى للغة العربية،2008،5م.

([2])اللغة الباسلة- فتحي جمعة – ص ب.

[3] - د.محمد عبد الرؤف الشيخ - اللغة العربية والتحديات المعاصرة – دار البشير – الشارقة – ص 25- 26

[4] - بشر، كمال (1998): اللغة العربية بين الوهم وسوء الفهم، القاهرة، دار غريب. ص98.

[5] - المرجع السابق، ص 108.