28 April، 2024 تفسير جامع البيان للإيجي تحقيق د هنداوي

تفسير جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي

لفضيلة الدكتور / عبد الحميد هنداوي الأستاذ بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة

منقول من تقدمته لتحقيق الكتاب

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب والفرقان، وأصلى وأسلم على حامل لواء الفصاحة والبيان، محمد وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان.

وبعد، فهذا كتاب في التفسير قلَّ أن تجد مثله، فهو قصد ووسط بين المختصرات والمطولات، يوضح العبارة بأيسر إشارة، ويجمع الكثير من المعاني بقليل من الألفاظ الدواني، ويلخص الأقوال، ويرجح المقال على المقال، ويشير إلى أسرار الإعجاز بشيء من الإيجاز، ويرد الأقوال الممتحلة من الفلاسفة والمعتزلة، وينافح عن كلام رب العالمين برد كلام المبطلين والغالين.

وقد كتبه مصنفه بعد تردد وتأخر، لكنه عزم عليه كما يقول لما لم يجد " في التفسير مختصرًا يغني، وكتابًا يقرب ويدني ".

وبالحق كان كتابه سدًّا لهذه الثغرة، فكان مختصرًا يغني، وكتابًا يقرب ويدني؛ فهو على اختصاره يغني عما سواه من المطوّلات، وعلى وجازة إشارته يقرب المعنى البعيد ويدنيه، وكان من خير ما قدر لهذا الكتاب أنه حاز الفضل من جهتين:

من جهة مصنفه (الإيجى) - رحمه الله - في حسن تصنيفه والعناية بتأليفه، وتحرير مسائله العقدية واللغوية والبلاغية.

ثم من جهة محشّيه (الغزنوي) - رحمه الله - الذي خدم هذا الكتاب خدمة جليلة لا تقل عن خدمة مصنفه الأصلي بل تزيد، حيث إنه قد انبرى لما فات المصنف أن ينبه عليه مما يخالف عقيدة السلف أو ما وقع فيه المصنف نفسه من باب الخطأ والزلل في مخالفة عقيدة السلفى الصالح (رضوان الله عليهم جميعًا) فانبرى لذلك الشيخ الغزنوي - رحمه الله - وقد كان سنيًّا سلفيًّا واضح المذهب مقتديًا بالإمامين ابن تيمية وابن القيم - رحمهم الله تعالى جميعًا - ويكثر النقل عنهما؛ فخلّص الكتاب مما قد يشوبه أو يشينه من

(1/3)

________________________________________

المخالفات فأصبح بحمد الله تعالى بارئًا، وصفاه من الكدر فصار بمنة الله تعالى عسلاً مصفى ولبنًا خالصًا سائغًا للشاربين، وهذا من فضل الله ورحمته للعالمين.

هذا، وقد عهدت إلى دار الكتب العلمية بتحقيق هذا السفر العظيم، غير أني قد انتابتني الشواغل والموانع دون إتمامه فقام على إتمام تخريجه وتصحيحه ومراجعته جماعة من الأفاضل، واقتصر دوري فيه على النظر فيه ومراجعته والتعليق على بعض مواضعه والتقديم له، والله أسأل أن ينفع به، وأن يجزل الثوبة لكل من ساعد فيه أو قدم فيه جهدًا مشكورًا، وأسأله سبحانه أن يجزل لنا المثوبة عليه في الدنيا والآخرة، إنه مولى ذلك والقادر عليه.

وكتب

راجي عفو ربه الغفور

عبد الحميد بن أحمد بن يوسف هنداوي

المدرس بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة

(1/4)

________________________________________

ترجمة المؤلف

اسمه ونسبه:

هو محمد بن صفي الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد السلام وقيل: عبد الله، معين الدين الحسيني الصفوي الإيجي الشيرازي الشافعي.

وذكر نفسه هو في مقدمة كتابه فقال: " وأنا أحوج الخلق إلى رحمة ربه (معين بن صفي) أدركهما الله بلطفه الجليّ والخفيّ ".

مولده:

ولد الإيجي سنة 832 هـ الموافق 1429 م تقريبًا.

موطنه:

نشاً الإيجي في بلدة " إيج " بنواحى شيراز، وإليهما ينسب.

وإيج " بالجيم ": بلدة كثيرة البساتين والخيرات أقصى بلاد فارس، وأهل فارس يسمونها إيك. ويبدو أنها بلدة يعني أهلها بالعلم والعلماء، فقد نسب إليها عدة من المؤلفين والعلماء، منهم عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، بل نسب إليها كبار المحدثين، وينسب إليها أبو محمد عبد الله بن محمد الإيجي النحوي، روى عن ابن دريد فأكثر.

وشيراز: بالكسر وآخره زاي: بلد عظيم مشهور معروف مذكور، وهي قصبة بلاد فارس، وهي مما استجد عمارتها واختطاطها في الإسلام، وبها جماعة من التابعين مدفونون، وهي في وسط بلاد فارس، وقد نسب إلى شيراز جماعة كثيرة من العلماء في كل فن.

أبوه:

هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الإيجي صفي الدين أبو الفضل الحسيني العجمي الصوفي الشافعي المتوفى بمكة سنة 864 هـ، له حاشية على شرح التبادكاني لمنازل السائرين، ولقد بدأ الأب في كتابة تفسير سورة الأنعام، فكتب نبذًا ثم ترك، وقال لابنه: أنت مأمور بذلك.

ولما كان الأب له مشاركة في العلوم الشرعية كان لذلك تأثير على الابن، بل كان الأب سببًا لإكمال الابن كتاب التفسير كما سبق.

(1/5)

________________________________________

اجتهاده العلمى:

لقد انشغل الإيجي بجوانب متعددة من الفروع العلمية، وبرع في بعضها ومما يدل على ذلك الأوصاف التي وصف بها فى ترجمته فقد وصف بأنه مفسر ومحدث ونسب إلى مذهب الشافعي.

1 - التفسير:

لقد انشغل الإيجي بعلم التفسير، ووقف على كتب عدة في جمعه لمادة تفسيره، وله كتب في التفسير منها: تفسير سورة الفاتحة، جامع البيان في تفسير القرآن وهو الذي نقدم له.

ومما يدل على براعته في التفسير أنه يجمع في تفسير الآية أقوالاً كثيرة بأوجز عبارة وألطف إشارة، وهذا لا يستطيعه إلا من كان بالتفسير خبيرًا وبطرق المفسرين وعباراتهم بصيرًا، حتى قال عن نفسه كما في مقدمة تفسيره: " ثم اعلم أن ما يحتويه أكثر التفاسير ترى في هذا التفسير مع معانٍ صحيحة نفيسة لم تجد في كثير منها ".

2 - الحديث:

كان الإيجي معظمًا للحديث النبوي غير معرض عنه، وله مشاركة بالتأليف في علم الحديث إذ له شرح الأربعين النووية.

وتجده يعيب على من لا يقدم الأخبار النبوية، فيقول في مقدمة التفسير " وكثيرًا تجد الزمخشري ومن يحذو حذوه أعرضوا عن المعنى المنقول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الكتب الصحاح لأجل عدم فهم مناسبة لفظية أو معنوية، وإن نقلوه ما ذكروه إلا آخر الأمر بصيغة التمريض، لكن المسلك في تفسيرنا هذا الاعتماد على المعاني الثابتة عمن أنزل عليه الكتاب المتكلم بفصل الخطاب صلى الله عليه وبارك وسلم.

3 - اعتقاده:

لقد حمل الإيجي حملة شديدة على الفلسفة والفلاسفة، إذ كان مبغضًا لها ومحذرًا منها معظمًا للنصوص الشرعية، بل ألَّف كتابا سمَّاه: " تهافت الفلاسفة ".

ويقول في تفسير سورة البقرة آية 74 في حديثه عن بعض الأمور المردودة: " نعم لمن

(1/6)

________________________________________

يتبع الفلسفة أن يتمحل التَّمَحُّلَ (1) في أمثال ذلك والله تعالى بمحض فضله قد عصمنا منه ".

وكان له موقف من الاعتزال عمومًا ومن الزمخشري خصوصًا، فيقول في مقدمة التفسير: " كتاب موفًّى فيه الحكمة والمعرفة، مصفى عن الاعتزال والفلسفة ".

ويقول: " فإن قرع سمعك شيء يخالف الكشاف ومن تبعه فلا تعجل إلى الرد نكارًا، وارجع بصر البصيرة لعلك تجد من جانب طور العلم نارًا ".

ومع تعظيمه للنصوص الشرعية وموقفه من الاعتزال والفلسفة ونقله الكثير عن السلف إلا أننا نجد عنده آثارًا صوفية ربما كان سببها كون أبيه صوفيًّا، ومن أمثال ذلك ما تجده في كلامه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في مقدمة التفسير، ولقد أجاد الغزنوي صاحب الحاشية في بيان خطأ ما صنع، والتحذير مما فيه وقع، وأحيانًا يمشي في تفسير آيات أسماء الله وصفاته على طريقة الأشاعرة، وربما ينقل في تفسيرها قول السلف مُتْبعًا إياه بكلام الأشاعرة، فتراه في تفسير قوله تعالى: (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) من سورة البقرة يقول: " لا يرضيه " جاريا مجرى الأشاعرة في تأويل الصفات إلى السبعة التي يثبتوتها، فيقولون معنى الحب: الرضا مخالفين بذلك طريقة السلف، ومثال جمعه بين طريقة السلف وطريقة الأشاعرة قوله في تفسير قوله تعالى: (أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) من سورة البقرة: " مذهب السلف الإيمان بمثل ذلك ووكول علمه إلى الله تعالى أو تقديره: يأتيهم بأسه ".

وجدير بالذكر أن الغزنوي صاحب الحاشية أشار في مواضع كثيرة إلى طريقة السلف في فهم آيات أسماء الله وصفاته وأن هذه الطريقة هي التي يجب اتباعها إلا أنه لم يتتبع كل موضع يحتاج إلى هذا التنبيه.

* * *

مذهبه:

وصفه من ترجموا له بأنه كان شافعيًّا ونقل هو عن مذهب الشافعي في تفسيره.

* * *

لغته:

مع كونه نشأ ببلاد فارس إلا أنه عني بعلوم العربية واجتهد في إتقانها، فضمن

_____________

(1) التمحل: المعاداة.

(1/7)

________________________________________

تفسيره كلامًا عن الإعراب وتوجيهات نحوية مما يدل على أن له في علوم العربية باعًا، ولكن ليس كل ما تبغيه تجده فقد ظهر في عباراته جانب من الضعف اللغوي والركاكة فى الأسلوب وعذره في ذلك أنه ليس من العرب الأصلاء وإنما هو أعجمي، وكفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه.

* * *

وفاته:

توفى الإيجي في 906 هـ وقيل: 905 هـ الموافق تقريبًا 1500 م. ووقع على غلاف طبعة باكستان لكتاب التفسير (832 هـ - 894 هـ) وعلى طبعة الشيخين شاكر والفقي (832 هـ - 905 هـ).

* * *

كتبه:

لقد أشرنا إلى بعضها آنفًا في طيات حديثنا ولكن ها نحن نذكر ما وقفنا على سبتها له:

1 - تفسير سورة الفاتحة.

2 - جامع البيان في تفسير القرآن، وبعضهم يسمّيه: جوامع التبيان في تفسير القرآن وهو ما نقدم له بهذه المقدمة).

3 - تهافت الفلاسفة.

4 - شرح الأربعين النووية.

5 - شعب الإيمان.

6 - حاشية على التلويح للتفتازاني.

7 - بيان المعاد الجسماني والروح.