13 May، 2024 مقدمة تحقيق كتاب قليوبي وعميرة

حاشيتا

شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي

المتوفى سنة 1069ﻫ

وشهاب الدين أحمد البرلسي الملقب بعميرة

المتوفى سنة 957ﻫ.

على

كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين للنووي

بشرح جلال الدين محمد بن أحمد المحلي

المتوفى سنة 864ﻫ

تحقيق

أ.د/ عبدالحميد هنداوي

الأستاذ بكلية دار العلوم-جامعة القاهرة

مقدمة التحقيق

الحمد لله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا رسوله الأمين، صلوات ربي وسلامه عليه دائمًا أبدًا إلى يوم الدين، حيث قال: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"([1]).

وبعد؛ فهذا كتاب من كتب التراث الفقهي الإسلامي الشافعي، وهو مذهب وسط بين المذاهب يجمع بين صحيح النقل، ودقيق العقل، ولا جرم نجد في هذا التراث الفقهي الزاخر كثيرًا مما نحتاج إليه في حياتنا المعاصرة مما نستأنس به أو نُخَرِّج عليه كثيرًا من مسائل العصر من كلام هؤلاء الأجلاء السابقين.

ولما كان لحاشيتي قليوبي وعَميرَة من الشهرة والذيوع بين شروح الكنز والمنهاج ألفيتني منشرح الصدر لإخراج هاتين الحاشيتين إخراجًا جديدًا قشيبًا ماتعًا رائقًا، يمتاز بجودة الإخراج، وجمال التنسيق والتركيب، ودقة الضبط، وتخريج النصوص، وغير ذلك مما درج عليه نابغو المحققين.

فشمرت لذلك واجتهدت، فجمعنا ما تيسر لنا من نسخ الكتاب المخطوطة والمطبوعة فوفقنا بفضل من الله تعالى ومَنٍّ منه إلى نسخ جيدة، وطبعات دقيقة، فأفدنا بدقة كلٍّ وصوابه، فكان الكتاب بحمد الله تعالى في درجة عالية من الضبط والتصحيح خلا ما ندر مما لا يخلو منه بشر.

ثم عمدنا إلى تخريج نصوصه من القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، فلم نأل جهدًا في تخريج آياته وأحاديث متنه وشرحه، وهي ليست بالقدر اليسير، وذلك لعناية المذهب الشافعي بالدليل من القرآن الكريم والسنة النبوية ولكن لطول متن الكتاب وطول حواشيه تفرقت تعليقاتنا وتحقيقاتنا في صفحات هذا الكتاب.

وقد عزونا تحقيقات أحاديث الكتاب إلى أئمة الشأن في العصر الحديث من جلّة المحدثين أمثال العلمين الجليلين الشيخ أحمد شاكر، والشيخ الألباني –رحمهما الله تعالى رحمة واسعة.

هذا وقد نبهنا أحيانا على الأخطاء الواقعة في نسخة دار الكتب العلمية رامزين لها بالرمز (ك)، وتركنا التنبيه على كثير من الأخطاء تجنبًا للإطالة، مع ترجيح ما رأيناه صوابًا بالأصل، وقد صححنا كثيرًا من تلك الأخطاء من نسخة دار إحياء الكتب العربية، وغيرها من النسخ.

وقد ميزنا كلاًّ من الكنز وشرحيه بوضع الاسم الدال على كل واحد منها قبل الكلام؛ فنقول قبل الكنز pكنـزi، وقبل قليوبي pقليوبـيi، وقبل عميرة pعميـرةi، بهذه الأشكال الواضحة المميزة بحيث لا يلتبس كلام أحد الشراح بالآخرين.

وقد ذيلنا الكتاب بفهارس شاملة نرجو أن ينتفع بها القراء وأن تكون خدمة للطلاب.

والله نسأل قبول العمل وحسن الثواب؛

وكتب

عبدالحميد بن أحمد بن يوسف بن هنداوي

الجيزة في ذي القعدة 1425ﻫ

ترجمة الإمام النووي

[631-676ﻫ]

  • اسمه ونسبه:

يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن حزام محيي الدين أبو زكريا النووي.

  • مولده ونشأته:

قال العلامة الذهبي: "مولده في المحرم سنة إحدى وثلاثين وست مائة وقدم دمشق سنة تسع وأربعين فسكن في الرواحية يتناول خبز المدرسة، فحفظ التنبيه في أربعة أشهر ونصف وقرأ ربع المهذب حفظًا في باقي السنة على شيخه الكمال إسحاق بن أحمد ثم حجَّ مع أبيه وأقام بالمدينة النبوية شهرًا ونصفًا مرض أكثر الطريق"([2]).

وقال العلامة السبكي: "وقال شيخه في الطريقة الشيخ ياسين بن يوسف الزركشي: رأيت الشيخ محيي الدين، وهو ابن عشر سنين بنوى والصبيان يكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي، لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي حبه، وجعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت الذي يقرئه القرآن، فوصيته به، وقلت له: هذا الصبي يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به. فقال لي: منجم أنت؟ فقلت: لا، وإنما أنطقني الله بذلك، فذكر ذلك لوالده، فحرص عليه، إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام"([3]).

وقال ابن العطار: "ذكر لي شيخنا –رحمه الله تعالى- أنه كان لا يَضيع له وقتٌ لا في ليل ولا في نهار إلا في اشتغال حتى في الطرق وأنه دام على هذا ست سنين ثم أخذ في التصنيف والإفادة والنصيحة وقول الحق، قلت: مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه والعمل بدقائق الورع والمراقبة وتصفية النفس من الشوائب ومحقها من أغراضها، كان حافظًا للحديث وفنونه ورجاله وصحيحه وعليله، رأسًا في معرفة المذهب.

قال شيخنا الرشيد ابن المعلم: عذلت الشيخ محيي الدين في عدم دخوله الحمام وتضييق العيش في مأكله وملبسه وأحواله، وخوّفته من مرض يعطله عن الاشتغال فقال: إن فلانًا صام وعبدالله حتى اخضر جلده وكان يمتنع من أكل الفواكه والخيار ويقول: أخاف أن يرطب جسمي ويجلب النوم، وكان يأكل في اليوم والليلة أكلة ويشرب شربة واحدة عند السحر"([4]).

  • شيوخه وتلاميذه:

ذكر الإمام الذهبي من سمع منهم الإمام النووي فقال: "سمع من الرضى بن البرهان وشيخ الشيوخ عبدالعزيز بن محمد الأنصاري وزين الدين بن عبدالدائم وعماد الدين عبدالكريم بن الحرستاني وزين الدين خالد بن يوسف وتقي الدين بن أبي اليسر وجمال الدين الصيرفي وشمس الدين بن أبي عمر وطبقتهم، وسمع الكتب الستة والمسند والموطأ وشرح السنة للبغوي وسنن الدارقطني وأشياء كثيرة، وقرأ الكمال للحافظ عبدالغني على الزين خالد، وشرحًا في أحاديث الصحيحين على المحدث أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي، وأخذ الأصول على القاضي التفليسي، وتفقه على الكمال إسحاق المغربي، وشمس الدين عبدالرحمن بن نوح وعز الدين عمر بن سعد الإربلي والكمال سلار الإربلي.

وقرأ النحو على الشيخ أحمد المصري وغيره وقرأ على ابن مالك كتابًا من تصنيفه"([5]).

أما تلاميذه فقد تخرَّج به جماعة من العلماء منهم الخطيب صدر الدين سليمان الجعفري، وشهاب الدين أحمد بن جعوان وشهاب الدين الأربدي وعلاء الدين بن العطار وحدث عنه ابن أبي الفتح والمزي وابن العطار([6]).

  • مناقبه وثناء العلماء عليه:

عرف الإمام النووي فضله ومنزلته عند معاصريه ومن تأخر عنه، ومن ثم شهد الكلّ له بالخير وعلو المنزلة، وفي هذا يقول الإمام السبكي في ترجمته للنووي: "شيخ الإسلام، أستاذ المتأخرين، وحجة الله على اللاحقين، والداعي إلى سبيل السالفين.

كان يحيى –رحمه الله- سيدًا وحصورًا، وليثًا على النفس هصورًا، وزاهدًا لم يبال بخراب الدنيا إذا صير دينه ربعًا معمورًا، له الزهد والقناعة، ومتابعة السالفين من أهل السنة والجماعة، والمصابرة على أنواع الخير، لا يصرف ساعة في غير طاعة، هذا مع التفنن في أصناف العلوم، فقهًا ومتون أحاديث، وأسماء رجال، ولغة، وتصوفًا، وغير ذلك"([7]).

وقال فيه الذهبي –رحمه الله-: "الإمام الحافظ الأوحد القدوة شيخ الإسلام علم الأولياء وكان لا يقبل من أحد شيئًا إلا في النادر ممن لا يشتغل عليه أهدى له فقير إبريقًا فقبله، وعزم عليه الشيخ برهان الدين الإسكندراني أن يفطر عنده فقال: أََحضر الطعام إلى هنا ونفطر جملة فأكل من ذلك وكان لونين، وربما جمع الشيخ بعض الأوقات بين إدامين، وكان يواجه الملوك والظلمة بالإنكار ويكتب إليهم ويخوّفهم بالله تعالى، كتب مرة: من عبدالله يحيى النواوي سلام الله ورحمته وبركاته على المولى المحسن ملك الأمراء بدر الدين أدام الله له الخيرات، وتولاه بالحسنات، وبلَّغه من خيرات الدنيا والآخرة كل آماله، وبارك له في جميع أحواله آمين، وينهى إلى العلوم الشريفة أن أهل الشام في ضيق وضعف حال بسبب قلة الأمطار –وذكر فصلاً طويلاً، وفي طي ذلك ورقة إلى الملك الظاهر فرد جوابها ردًّا عنيفًا مؤلمًا فتنكدت خواطر الجماعة.

وله غير رسالة إلى الملك الظاهر في الأمر بالمعروف([8]).

قال الشيخ قطب الدين اليونيني: "كان أوحد زمانه في العلم والورع والعبادة والتقلّل وخشونة  العيش وافق الملك الظاهر بدار العدل غيره مرة. فحكى عن الملك الظاهر أنه قال: أنا أفزع منه ولي مشيخة دار الحديث".

  • مصنفاته وآثاره:

للنووي –رحمه الله- مصنفات جليلة في قدرها، نافعة في بابها، كثيرة في عددها أهمها: "شرح صحيح مسلم"، و"رياض الصالحين"، و"الأذكار"، و"الأربعين"، و"الإرشاد" في علوم الحديث و"التقريب" مختصرة، و"كتاب المبهمات"، و"تحرير الألفاظ" للتنبيه، و"العمدة في تصحيح التنبيه"، و"الإيضاح" في المناسك مجلد، وله ثلاثة مناسك سواه، و"التبيان" في آداب حملة القرآن، وفتاواه مجموعة في مجيليد، و"الروضة" أربعة أسفار، و"شرح المهذب" إلى باب المصراة في أربع مجلدات، وشرح قطعة من البخاري، وقطعة من الوسيط، وعمل قطعة من الأحكام، وجملة كثيرة من الأسماء واللغات([9]).

  • وفاته:

قال الشيخ ابن فرح: "سافر الشيخ –يعني النووي- فزار بيت المقدس، وعاد إلى نوى فمرض عند والده فحضرته المنية فانتقل إلى رحمة الله في الرابع والعشرين من رجب سنة ست وسبعين وستمائة([10]).

ترجمة الإمام جلال الدين المحلي

[791-864ﻫ]

محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلي الشافعي المصري فقيه - أصولي - مفسر ولد بالقاهرة سنة 791ﻫ وبها مات.

كان –رحمه الله- دقيق النظر في التصنيف ودقائق العبارة، آية في الذكاء والفهم دون الحفظ، وكان يقول: فهمي لا يقبل الخطأ، ورع شديد على الظلمة لا يلتفت إليهم، يأتون إليه فلا يأذن لهم. عرض عليه القضاء الأكبر فامتنع.

له من المصنفات كتاب في التفسير أتمه جلال الدين السيوطي فسمي "تفسير الجلالين"، "والبدر الطالع في شرح جمع الجوامع"، و"كنز الراغبين" في شرح المنهاج في فقه النووي، و"شرح الورقات" في الأصول، و"الأنوار المضية" في شرح البردة، وغيرها.

توفي –رحمه الله- سنة 864ﻫ عن ثلاث وسبعين سنة([11]).

ترجمة العلامة عَمِيرَة البرلسي

[ت 957 ﻫ]

الإمام شهاب الدين أحمد البرلسي المصري الشافعي الملقب بعَمِيرَة العلامة الفقيه المحقق.

أخذ العلم عن الشيخ عبدالحق السنباطي، والبرهان بن أبي شريف، والنور المحلي.

كان عالمًا زاهدًا ورعًا حسن الأخلاق يدرس ويفتي، وانتهت إليه الرئاسة في تحقيق المذهب.

له من المصنفات: "حاشية على شرح منهاج الطالبين للمحلي" وغيره.

أصابه الفالج ومات به سنة 957 من الهجرة المباركة([12]).

ترجمة العلامة القليوبي

[ت 1069ﻫ]

شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة أبو العباس القليوبي الشافعي المصري. فقيه متأدب.

من أهل قليوب في مصر.

له من التآليف: "تحفة الراغب في سيرة جماعة من أهل البيت الأطايب"، و"تذكرة قليوبي" في الطب، و"حاشية على شرح الأجرومية"، و"حاشية على شرح التحرير لشيخ الإسلام في الفقه"، و"النبذة اللطيفة في بيان مقاصد الحجاز ومعالمه الشريفة"، و"الهداية من الضلالة في معرفة الوقت والقبلة من غير آلة"، وغيرها.

توفي 1069ﻫ وقيل 1070ﻫ([13]).

النص المحقق لحاشيتي

شهاب الدين أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي

المتوفى سنة 1069ﻫ

وشهاب الدين أحمد البرلسي الملقب بعميرة

المتوفى سنة 957ﻫ.

على

كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين للنووي

بشرح جلال الدين محمد بن أحمد المحلّي

المتوفى سنة 864ﻫ

تحقيق

أ.د/ عبدالحميد هنداوي

الأستاذ بكلية دار العلوم-جامعة القاهرة المقدمة

pكنـزi

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إنْعَامِهِ.

pقليوبـيi

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ بِمَنِّهِ وَإِفْضَالِهِ، وَيُدَافِعُ نِقَمَهُ بِعِزِّهِ وَجَلالِهِ، وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ بِحُسْنِ فِعَالِهِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَتَابِعِيهِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، مَا دَامَ الْمَوْلَى يَتَفَضَّلُ عَلَى عَبِيدِهِ بِنَوَالِهِ.

(أَمَّا بَعْدُ): فَهَذَا مَا تَيَسَّرَ جَمْعُهُ مِنْ الْحَوَاشِي عَلَى الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِهِ لِلْجَلالِ الْمَحَلِّيِّ، وَعَلَى مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَنْهَجِ وَشَرْحِهِ لِشَيْخِ الإسْلامِ لَمْ يُنْسَجْ قَبْلَهُ عَلَى مِثَالِهِ، مُشْتَمِلٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ الْخِلافِ فِيهِمَا، وَمُبَيِّنٌ لِغَوَامِضِ مَا خَفِيَ مِنْ عِبَارَتِهِمَا، وَمُنَبِّهٌ عَلَى دَفْعِ اعْتِرَاضَاتٍ مِنْهُمَا وَمِنْ غَيْرِهِمَا، وَجَامِعٌ لِمَا تَفَرَّقَ فِي الْحَوَاشِي عَلَيْهِمَا([14]) وَغَيْرِهِمَا، مَعَ زِيَادَاتٍ يُسَرُّ بِهَا النَّاظِرُ إلَيْهَا، وَفَوَائِدَ مُهِمَّةٍ يَعْرِفُهَا الْمُطَّلِعُ عَلَيْهَا، وَمُنَاقَشَاتٍ جَمَّةٍ مُحْتَاجٍ لِلْوُقُوفِ عَلَيْهَا مِمَّنْ جَرَّدَ فَهْمَهُ عَنْ التَّعَسُّفِ وَاحْتِمَالِهِ، وَخَالٍ عَنْ الْحَشْوِ وَالتَّطْوِيلِ وَعَنْ الْعَزْوِ غَالِبًا لإرَادَةِ التَّسْهِيلِ وَكَثْرَةِ الإفَادَةِ وَالتَّحْصِيلِ، وَسُرْعَةِ الاطِّلاعِ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ أَقْوَالِهِ، وَاَللَّهُ الْمَسْئُولُ فِي النَّفْعِ بِهِ عَلَى التَّعْمِيمِ، وَأَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسَبَبًا لِلْفَوْزِ بِالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ فَإِنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ بِكَرَمِهِ وَإِجَابَةِ سُؤَالِهِ وَحَسْبُ مَنْ جَعَلَهُ وَكِيلا لَهُ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى إنْعَامِهِ) هُوَ خَبَرٌ ثَانٍ لِلْحَمْدِ وَقَدَّمَ الأوَّلَ لأنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لِلذَّاتِ وَهَذَا لِلْوَصْفِ، وَقَيَّدَ الْحَمْدَ بِالإنْعَامِ لِوُقُوعِهِ كَالْوَاجِبِ أَوْ وَاجِبًا لأنَّهُ مَعَ عَدَمِهِ مُحْتَمِلٌ لِلنَّدْبِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُنْعَمَ بِهِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ الْخُصُوصِ وَإِفَادَةِ الإحَاطَةِ وَالشُّمُولِ لِكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الإنْعَامُ لِلْقُصُورِ عَنْ تَعْدَادِهِ إجْمَالا وَتَفْصِيلا.

pكنـزi

وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (وَالصَّلاةُ إلَخْ) سَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَى الصَّلاةِ وَالسَّلامِ وَمُحَمَّدٍr ، وَأَمَّا السَّيِّدُ فَيُطْلَقُ عَلَى الشَّرِيفِ فِي قَوْمِهِ أَوْ الْعَظِيمِ أَوْ الْمُقْتَدَى بِهِ أَوْ الْمَالِكِ، وَأَصْلُهُ سَيْوِدٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ فَقُلِبَتْ يَاءً لِتَحَرُّكِهَا وَاجْتِمَاعِهَا مَعَ الْيَاءِ السَّاكِنَةِ السَّابِقَةِ عَلَيْهَا، ثُمَّ أُدْغِمَتْ فِيهَا. وَأَمَّا الآلُ فَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ مِنْ أَوْلادِ هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ، وَقِيلَ: عِتْرَتُهُ الْمَنْسُوبُونَ إلَيْهِ مِنْ أَوْلادِهِ وَأَوْلادِ بَنَاتِهِ مَا تَنَاسَلُوا، وَقِيلَ: أُمَّةُ الإجَابَةِ. قَالَ الأزْهَرِيُّ: وَهُوَ الأقْرَبُ لِلصَّوَابِ، وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ، وَأَصْلُهُ أَهْلٌ فَقُلِبَتْ الْهَاءُ هَمْزَةً، وَإِنْ كَانَتْ أَثْقَلَ مِنْهَا، لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إلَى قَلْبِهَا أَلِفًا، وَقِيلَ: أَصْلُهُ: "أَوَلُ" بِفَتْحِ الْوَاوِ فَقُلِبَتْ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَقِيلَ: كُلٌّ مِنْهُمَا أَصْلٌ بِدَلِيلِ مَا سُمِعَ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ تَصْغِيرِهِ عَلَى أُهَيْلٍ وَأُوَيْلٍ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلا يُضَافُ إلا إلَى الْعُقَلاءِ مِنْ الأشْرَافِ، وَلَوْ ادِّعَاءً جَبْرًا لِمَا لَحِقَهُ مِنْ التَّغْيِيرِ، بِخِلافِ أَهْلٍ وَلا يُنَافِي ذَلِكَ تَصْغِيرَهُ لأنَّهُ لِبَيَانِ أَصْلِهِ وَلإمْكَانِ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَنْ هُوَ دُونَ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لِلتَّحْقِيرِ.

قَوْلُهُ: (وَأَصْحَابِهِ) جَمْعُ صَحْبٍ([15]) لا جَمْعُ صَاحِبٍ لأنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ، وَصَحْبُ اسْمُ جَمْعٍ لِصَاحِبٍ، وَقِيلَ: جَمْعٌ لَهُ، وَهُوَ بِمَعْنَى الصَّحَابِيِّ، وَهُوَ مَنْ اجْتَمَعَ مُؤْمِنًا بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ r حَالَ نُبُوَّتِهِ فِي حَيَاتِهِ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ صُحْبَتُهُ لَهُ، أَوْ لَمْ يَرَهُ، وَالْمُرَادُ الاجْتِمَاعُ الْعُرْفِيُّ فَيَدْخُلُ نَحْوُ الأعْمَى وَالْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ وَالصَّغِيرِ وَالْخَضِرِ وَعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ، وَيَخْرُجُ مَنْ رَآهُ فِي النَّوْمِ أَوْ اجْتَمَعَ بِهِ فِي السَّمَاءِ لَيْلَةَ الإسْرَاءِ وَنَحْو([16]) ذَلِكَ وَدَخَلَ فِي الصَّحَابِيِّ الآدَمِيُّ وَالْجِنِّيُّ وَالْمَلَكُ، وَخَرَجَ بِالْمُؤْمِنِ الْكَافِرُ وَلَوْ حُكْمًا كَالصَّغِيرِ، وَاشْتِرَاطُ الْمَوْتِ عَلَى الإيمَانِ لِدَوَامِ الصُّحْبَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ لا لِتَسْمِيَتِهِ صَحَابِيًّا، وَعَطَفَ الصَّحْبَ عَلَى الآلِ لِتَشْمَلَ الصَّلاةُ بَاقِيَهُمْ مِنْ غَيْرِ الآلِ فَهُوَ أَعَمُّ مُطْلَقًا بِالنَّظَرِ لِقَيْدِهِ السَّابِقِ وَمِنْ وَجْهٍ بِعَدَمِ النَّظَرِ لَهُ.

pكنـزi

هَذَا مَا دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةُ الْمُتَفَهِّمِينَ لِمِنْهَاجِ الْفِقْهِ مِنْ شَرْحٍ يُحِلُّ أَلْفَاظَهُ وَيُبَيِّنُ مُرَادَهُ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (هَذَا) هُوَ إشَارَةٌ إلَى الشَّرْحِ وَهُوَ كَبَقِيَّةِ أَسْمَاءِ الْكُتُبِ وَالتَّرَاجِمِ اسْمٌ لِلألْفَاظِ بِاعْتِبَارِ دَلالَتِهَا عَلَى الْمَعَانِي كَمَا يَأْتِي وَهُوَ الأصَحُّ مِنْ الاحْتِمَالاتِ الثَّمَانِيَةِ، وَهُوَ مِنْ حَيِّزِ عَلَمِ الْجِنْسِ، فَلا حَاجَةَ لِمَا أَطَالُوا بِهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي مَحَلِّهِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (مَا دَعَتْ) لَمْ يَقُلْ مَا اشْتَدَّتْ كَمَا قَالَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِكَثْرَةِ شُرُوحِ الْمِنْهَاجِ وَجَلالَةِ مُؤَلِّفِيهَا السَّابِقِينَ عَلَيْهِ لأنَّهُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وُلِدَ سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، وَمَاتَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَثَمَانِمِائَةٍ، وَعُمْرُهُ نَحْوَ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً، وَأَخَذَ الْفِقْهَ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيِّ([17])، وَهُوَ عَنْ الشَّيْخِ عَلاءِ الدِّينِ الْعَطَّارِ([18])، وَهُوَ عَنْ الإمَامِ النَّوَوِيِّ([19]). قَوْلُهُ: (الْمُتَفَهِّمِينَ) جَمْعُ مُتَفَهِّمٍ، وَهُوَ طَالِبُ الْفَهْمِ أَيْ: الْمُتَعَلِّمُ أَوْ الْمُعَلِّمُ. قَوْلُهُ: (لِمِنْهَاجِ الْفِقْهِ) الْمِنْهَاجُ وَالْمَنْهَجُ فِي الأصْلِ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ، وَقَدْ وَجَدْت تَسْمِيَةَ الْكِتَابِ بِذَلِكَ بِخَطِّ الإمَامِ النَّوَوِيِّ عَلَى ظَاهِرِ نُسْخَتِهِ، وَإِضَافَتُهُ إلَى الْفِقْهِ لإخْرَاجِ مِنْهَاجِ الأصُولِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (مِنْ شَرْحٍ) هُوَ الْكَشْفُ وَالإظْهَارُ وَهُوَ وَمَا بَعْدَهُ بَيَانٌ لـ"ِمَا دَعَتْ". قَوْلُهُ: (يُحِلُّ أَلْفَاظَهُ) بِبَيَانِ تَرَاكِيبِهَا مِنْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي هَذَا وَمَا بَعْدَهُ لِلشَّرْحِ، وَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ الْبَارِزِ فِي ذَلِكَ لِلْمِنْهَاجِ، وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ اسْتِعَارَةٌ بِالْكِنَايَةِ وَتَرْشِيحٌ([20]) وَعَطْفٌ يُبَيِّنُ مُرَادَهُ عَامٌّ عَلَى خَاصٍّ.

pعميـرةi

بِسم الله الرحمن الرحيم

قَوْلُ الشَّارِحِ: (هَذَا مَا دَعَتْ إلَيْهِ) الإشَارَةُ لَمَوْجُودٍ فِي الذِّهْنِ إنْ كَانَتْ الْخُطْبَةُ مُتَقَدِّمَةً، أَوْ لَمَوْجُودٍ فِي الْخَارِجِ إنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ اشْتَدَّتْ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِكَثْرَةِ الشُّرُوحِ عَلَى الْمِنْهَاجِ وَجَلالَةِ مُؤَلِّفِيهَا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْمُتَفَهِّمِينَ) جَمْعُ مُتَفَهِّمٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِمِنْهَاجِ الفقه) الْمِنْهَاجُ وَالْمَنْهَجُ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ وَخَرَجَ بِالْفِقْهِ مِنْهَاجُ الأصُولِ لَلْبَيْضَاوِيِّ.

pكنـزi

وَيُتَمِّمُ مُفَادَهُ عَلَى وَجْهٍ لَطِيفٍ خَالٍ عَنْ الْحَشْوِ وَالتَّطْوِيلِ، حَاوٍ لِلدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (مُفَادَهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ اسْمُ مَفْعُولٍ أَوْ مَصْدَرٌ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ فَتْحَ الْمِيمِ أَيْضًا([21])، وَالْمَعْنَى: مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَوْ فَائِدَتُهُ، وَمَعْنَى تَتْمِيمِهِ إلْحَاقُ نَحْوِ قَيْدٍ أَوْ الإشَارَةُ إلَى إسْقَاطِهِ أَوْ إلَى تَعْمِيمٍ فِيمَا ظَاهِرُهُ الْخُصُوصُ أَوْ عَكْسُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عَلَى وَجْهٍ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ الأفْعَالِ السَّابِقَةِ فَهُوَ مُتَنَازَعٌ فِيهِ أَوْ حَالٌ مِنْ "مَا" فِي "مَا دَعَتْ" أَوْ "مِنْ شَرْحٍ". قَوْلُهُ: (لَطِيفٍ) أَيْ صَغِيرِ الْحَجْمِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ فَمَا بَعْدَهُ تَأْسِيسٌ، أَوْ الْمُرَادُ صِغَرُ الْحَجْمِ وَبَدَاعَةُ الصُّنْعِ فَمَا بَعْدَهُ تَأْكِيدٌ وَتَفْسِيرٌ. قَوْلُهُ: (خَالٍ) أَيْ فَارِغٍ عَمَّا ذَكَرَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْحَشْوَ وَهُوَ الزِّيَادَةُ الْمُتَمَيِّزَةُ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَلا تَطْوِيلٍ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ غَيْرُ الْمُتَعَيَّنَةِ عَلَى أَصْلِ الْمُرَادِ لا لِفَائِدَةٍ([22]) فَهُمَا بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ وَيَجُوزُ إرَادَةُ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ. قَوْلُهُ: (حَاوٍ لِلدَّلِيلِ) وَهُوَ مَا يُذْكَرُ لإثْبَاتِ الْحُكْمِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ اسْتِصْحَابٍ فَعَطْفُ التَّعْلِيلِ عَلَيْهِ مُغَايِرٌ لأنَّهُ إظْهَارٌ لِفَائِدَةِ الْحُكْمِ، أَوْ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِمَا فِي التَّعْلِيلِ مِنْ مَعْنَى الْقِيَاسِ.

pعميـرةi

قَوْلُ الشَّارِحِ: (مُفَادَهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ بِمَعْنَى الَّذِي اُسْتُفِيدَ مِنْهُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (عَلَى وَجْهٍ لَطِيفٍ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ دِقَّةَ الْحَجْمِ وَبَدَاعَةَ الصَّنِيعِ مَعًا لِيَكُونَ قَوْلُهُ: خَالٍ إلَخْ تَفْسِيرًا لَهُ وَبَيَانًا، وَالْحَشْوُ بِمَعْنَى الْمَحْشُوِّ، وَكَذَا التَّطْوِيلُ وَالتَّعْلِيلُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (عَنْ الْحَشْوِ) هُوَ الزِّيَادَةُ الْمُسْتَغْنَى عَنْهَا وَالتَّطْوِيلُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُرَادِ.

pكنـزi

وَاَللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (وَاَللَّهَ أَسْأَلُ) قَدَّمَ الْمَفْعُولَ لإفَادَةِ التَّخْصِيصِ وَحَذَفَ مَفْعُولَ يَنْفَعُ إشْعَارًا بِالْعُمُومِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) حَسْبِي بِمَعْنَى كَافِيَّ أَوْ يَكْفِينِي، وَالْوَكِيلُ بِمَعْنَى الْحَفِيظُ أَوْ الْمُعْتَمَدُ أَوْ الْمَلْجَأُ أَوْ الْمُعِينُ أَوْ الْقَائِمُ بِمَصَالِحِ خَلْقِهِ أَوْ الْمَوْكُولُ إلَيْهِ تَدْبِيرُهُمْ، وَجُمْلَةُ "نِعْمَ الْوَكِيلُ" إمَّا عَطْفٌ عَلَى "هُوَ حَسْبِي" أَوْ عَلَى "حَسْبِي" بِتَأْوِيلِهِ بِالْفِعْلِ، فَفِيهِ عَطْفُ الإنْشَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَهُوَ مَحْذُورٌ فِي الْجُمَلِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ جُمْلَةَ "هُوَ حَسْبِي" إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى أَوْ بِأَنَّهُ يُقَدِّرُ قَبْلَ "نِعْمَ" مُبْتَدَأً فِي الشِّقَّيْنِ، وَيَجْعَلُ "نِعْمَ" مُتَعَلِّقَ خَبَرِهِ أَيْ: وَهُوَ مَقُولٌ فِي حَقِّهِ: نِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلا مَحْذُورَ فِي كَوْنِ مُتَعَلِّقِ الْخَبَرِ إنْشَاءً، وَإِنْ عَطَفَ عَلَى "حَسْبِي" بِلا تَأْوِيلٍ، فَهُوَ عَطْفُ جُمْلَةٍ إنْشَائِيَّةٍ عَلَى مُفْرَدٍ، وَلا مَحْذُورَ فِيهِ كَعَكْسِهِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ عَطْفِ مُفْرَدٍ عَلَى مِثْلِهِ يَجْعَلُ جُمْلَةَ "نِعْمَ" وَاقِعَةً مَوْقِعَ الْمُفْرَدِ لأنَّ لَهَا مَحَلا مِنْ الإعْرَابِ، عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ مَنَعَ كَوْنَ الْوَاوِ عَاطِفَةً بَلْ هِيَ اعْتِرَاضِيَّةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُهُ آخِرَ الْكَلامِ.

pكنـزi

قَالَ الْمُصَنِّفُ –رحمه الله تعالى: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ أَفْتَتِحُ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (أَفْتَتِحُ) الأوْلَى أُؤَلِّفُ لأنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَقَامِ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُؤَلَّفِ وَقَدْرِهِ فِعْلا وَمُؤَخَّرٌ، (انْظُرْ الأصْلَ الْعَمَلَ)([23]) ، وَلإفَادَةِ الاخْتِصَاصِ فَالْجُمْلَةُ فِعْلِيَّةٌ إنْشَائِيَّةٌ، وَيَجُوزُ كَوْنُهَا خَبَرِيَّةً بِتَقْدِيرِ فِعْلٍ مَاضٍ وَكَوْنُهَا اسْمِيَّةً بِتَقْدِيرِ مَصْدَرٍ مُبْتَدَأٍ. وَعَلَى كُلٍّ تَحْصُلُ بِهَا الْبَرَكَةُ. وَذِكْرُ جُمْلَةِ الْحَمْدِ بَعْدَهَا تَأْكِيدٌ. وَسَكَتَ الشَّارِحُ عَنْ تَفْسِيرِ أَلْفَاظِهَا طَلَبًا لِلاخْتِصَارِ وَلانْفِرَادِهَا بِالتَّأْلِيفِ. نَعَمْ ذَكَرَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ أَقْسَامًا تِسْعَةً لِلاسْمِ فَيَنْبَغِي ذِكْرُهَا لِعِزَّتِهَا وَالاعْتِنَاءِ بِهَا أَحَدُهَا: وُقُوعُهُ عَلَى الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ كَالأعْلامِ. ثَانِيهَا: وُقُوعُهُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ جُزْئِهِ كَالْجَوْهَرِ لِلْجِسْمِ. ثَالِثُهَا: بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ حَقِيقِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهِ كَالأسْوَدِ وَالْحَارِّ. رَابِعُهَا: بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ إضَافِيَّةٍ كَالْمَالِكِ وَالْمَمْلُوكِ. خَامِسُهَا: بِاعْتِبَارِ صِفَةٍ سَلْبِيَّةٍ كَالأعْمَى وَالْفَقِيرِ. سَادِسُهَا: بِاعْتِبَارِ صِفَتَيْنِ حَقِيقِيَّةٍ وَإِضَافِيَّةٍ كَالْعَالِمِ وَالْقَادِرِ لِتَعَلُّقِهِمَا بِذَاتِهِ وَبِمَعْلُومٍ وَمَقْدُورٍ. سَابِعُهَا: بِاعْتِبَارِ صِفَتَيْنِ حَقِيقِيَّةٍ وَسَلْبِيَّةٍ كَشُجَاعٍ لاعْتِبَارِ الْمَلَكَةِ وَعَدَمِ الْبُخْلِ([24]). ثَامِنُهَا: بِاعْتِبَارِ صِفَتَيْنِ إضَافِيَّةٍ وَسَلْبِيَّةٍ كَأَوَّلٍ لأنَّهُ سَابِقٌ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَسْبِقْهُ غَيْرُهُ. وَقَيُّومٍ لأنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى غَيْرٍ وَمُقَوِّمٍ لِغَيْرِهِ. تَاسِعُهَا: بِاعْتِبَارِ الصِّفَاتِ الثَّلاثِ كَالإلَهِ لأنَّهُ دَالٌّ عَلَى وُجُوبِهِ لِذَاتِهِ وَعَلَى إيجَادِهِ لِغَيْرِهِ وَعَلَى تَنْزِيهِهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

pعميـرةi

قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ أَفْتَتِحُ) قِيلَ الأحْسَنُ أُؤَلِّفُ لِيُفِيدَ تَلَبُّسَ الْفِعْلِ كُلِّهِ بِاسْمِ اللَّهِ.

pكنـزi

(الْحَمْدُ لِلَّهِ) هِيَ مِنْ صِيَغِ الْحَمْدِ وَهُوَ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ؛ إذْ الْقَصْدُ بِهَا الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِمَضْمُونِهَا مِنْ أَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ الْحَمْدِ مِنْ الْخَلْقِ أَوْ مُسْتَحِقٌّ لأنْ يَحْمَدُوهُ لا الإخْبَارُ بِذَلِكَ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (هِيَ مِنْ صِيَغِ الْحَمْدِ) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الألْفَاظِ الَّتِي يُؤَدَّى بِهَا الْحَمْدُ لأنَّهُ يُؤَدَّى بِغَيْرِهَا أَيْضًا، كَالْجُمْلَةِ الآتِيَةِ. بَعْدَهَا وَكَالْجَنَانِ وَالأرْكَانِ إذْ هُوَ عُرْفًا مَا يُنْبِئُ عَنْ تَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ. قَوْلُهُ: (الْوَصْفُ) أَيْ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ بِقَوْلِهِ مِنْ الْخَلْقِ. وَهَذَا مَعْنَى الْحَمْدِ لُغَةً، وَلَوْ لَمْ يُقَيَّدْ بِاللِّسَانِ لَشَمِلَ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَفْسِهِ وَفِيهِ مَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَمِنْهُ. مَا قِيلَ عَنْ بَعْضِهِمْ: هَلْ الْمُرَادُ بِهِ إعْلامُ عِبَادِهِ بِهِ لِلإيمَانِ بِهِ أَوْ الثَّنَاءُ عَلَى نَفْسِهِ بِهِ أَوْ هُمَا أَقْوَالٌ: ثَالِثُهَا: أَوْلَى لِعُمُومِ فَائِدَتِهِ. قَوْلُهُ: (بِالْجَمِيلِ) فَهُوَ الْمَحْمُودُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ اخْتِيَارِيًّا أَوْ لا، وَحَذَفَ الْمَحْمُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْفِعْلُ الْجَمِيلُ الاخْتِيَارِيُّ لِلْعِلْمِ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى عَلَى فَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَيْهِ فَيُقَيَّدُ الْجَمِيلُ بِالاخْتِيَارِيِّ. وَحَذَفَ الْمَحْمُودَ بِهِ لِعُمُومِهِ وَعِلْمِهِ مِنْ الثَّنَاءِ. قَوْلُهُ: (إذْ الْقَصْدُ إلَخْ) عِلَّةٌ لِكَوْنِهَا مِنْ صِيَغِ الْحَمْدِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا قَصْدُ الثَّنَاءِ لأنَّهَا خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَفِيهِ مَا يَأْتِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا الثَّنَاءُ فَلا حَاجَةَ إلَى قَصْدٍ وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِحُصُولِ الْحَمْدِ بِهَا مِمَّنْ لا يَعْرِفُ مَعْنَى الإنْشَاءِ وَالْخَبَرِ. قَوْلُهُ: (عَلَى اللَّهِ بِمَضْمُونِهَا) مُتَعَلِّقَانِ بِالثَّنَاءِ وَمِنْ أَنَّهُ إلَخْ بَيَانٌ لِمَضْمُونِهَا وَمَالِكٌ وَمُسْتَحِقٌّ إشَارَةٌ لِمَعْنَى اللامِ فِي لِلَّهِ وَلِجَمِيعِ إشَارَةٌ لِمَعْنَى اللامِ فِي الْحَمْدِ سَوَاءٌ جُعِلَتْ لِلاسْتِغْرَاقِ أَوْ لِلْعَهْدِ أَوْ لِلْجِنْسِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (لأنْ يَحْمَدُوهُ) قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا عَمِيرَةَ([25]): لَوْ قَالَ "لَهُ" بَدَلَ "ذَلِكَ" لَكَانَ أَخَصْرَ وَأَشْمَلَ أَيْ لِعُمُومِهِ لِمَا وَقَعَ وَلِمَا سَيَقَعُ وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ هَذَا الْوَصْفُ ثَابِتٌ لَهُ فِي الأزَلِ فَلا يُتَصَوَّرُ فِيهِ سَبْقُ حَمْدٍ مِنْ الْخَلْقِ عَلَيْهِ، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ كُلَّ حَمْدٍ وُجِدَ فَهُوَ مُسْتَقْبَلٌ بِالنِّسْبَةِ لِوَصْفِهِ تَعَالَى بِهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (لا الإخْبَارُ بِذَلِكَ) اسْمُ الإشَارَةِ لِمَضْمُونِهَا الْمُتَقَدِّمِ، وَهَذَا زِيَادَةُ تَصْرِيحٍ بِأَنَّهُ لا يَحْصُلُ بِهَا الْحَمْدُ إذَا أُرِيدَ بِهَا الإخْبَارُ. وَكَلامُهُ مُتَدَافِعٌ فِي حَالَةِ الإطْلاقِ وَاَلَّذِي حَقَّقَهُ السَّيِّدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- حُصُولُ الْحَمْدِ بِهَا مَعَ قَصْدِ الإخْبَارِ لِلإذْعَانِ بِمَدْلُولِهَا الَّذِي هُوَ الاتِّصَافُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ.

pعميـرةi

قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْوَصْفُ) شَامِلٌ لِثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ خِلافَ تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ بِالثَّنَاءِ بِاللِّسَانِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (إذْ الْقَصْدُ بِهَا إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ: هِيَ مِنْ صِيَغِ الْحَمْدِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ الْخَلْقِ) قَيْدٌ يَعُمُّ بِقَرِينَةِ الْمِلْكِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لأنْ يَحْمَدُوهُ) الأخْصَرُ لَهُ أَوْ لِحَمْدِهِمْ([26]). قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِذَلِكَ) رَاجِعٌ لِلْمَضْمُونِ.

pكنـزi

(الْبَرِّ) بِالْفَتْحِ أَيْ الْمُحْسِنِ (الْجَوَادِ) بِالتَّخْفِيفِ أَيْ الْكَثِيرِ الْجُودِ أَيْ الْعَطَاءِ (الَّذِي جَلَّتْ) أَيْ عَظُمَتْ، (نِعَمُهُ) جَمْعُ نِعْمَةٍ بِمَعْنَى إنْعَامٍ (عَنْ الإحْصَاءِ) أَيْ الضَّبْطِ (بِالأعْدَادِ) أَيْ بِجَمِيعِهَا ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾([27]).

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُحْسِنُ) أَشَارَ بِهَذَا التَّفْسِيرِ إلَى أَنَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَنَّهُ كَالتَّوْطِئَةِ لِمَا بَعْدَهُ فَهُوَ مِنْ التَّرَقِّي وَلِعُمُومِ بَرِّهِ بِخَلْقِهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِمْ هُوَ الصَّادِقُ فِيمَا وَعَدَ أَوْلِيَاءَهُ أَوْ الَّذِي إذَا عُبِدَ أَثَابَ، وَإِذَا دُعِيَ أَجَابَ.

قَوْلُهُ: (الْجَوَادِ) ذَكَرَهُ لأنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ أَنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى غَيْرُ تَوْقِيفِيَّةٍ كمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ. وَحَقِيقَةُ الْجُودِ فِعْلُ مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي لا لِغَرَضٍ وَلا لِعِلَّةٍ([28])، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُخْتَصًّا بِاَللَّهِ، وَتَفْسِيرُ الشَّارِحِ لَهُ بِالْكَثِيرِ الْجُودِ لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ اللامِ أَوْ مِنْ رِعَايَةِ الْمَقَامِ. وَالسَّخَاءُ مُرَادِفٌ لَهُ أَوْ هُوَ سِعَةُ الْعَطَاءِ فَهُوَ أَخَصُّ. وَإِنْ قِيلَ بِمَنْعِ إطْلاقِهِ عَلَى اللَّهِ عَلَى مَا مَرَّ وَالْكَرَمُ أَعَمُّ مِنْهُمَا مَعًا. قَوْلُهُ: (جَمْعُ نِعْمَةٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالْفَتْحِ التَّنَعُّمُ وَبِالضَّمِّ الْمَسَرَّةُ. قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى إنْعَامٍ) أَيْ لِيُنَاسِبَ مَا قَبْلَهُ مِنْ كَوْنِ الْحَمْدِ عَلَى الْوَصْفِ وَلأنَّهُ أَمْكَنُ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى الْمُنْعَمِ بِهِ، وَلأنَّ عَدَمَ نِسْبَةِ الضَّبْطِ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَبْلَغُ خِلافًا لِبَعْضِهِمْ وَالنِّعْمَةُ بِمَعْنَى مُنْعَمٌ بِهِ مُرَادِفَةٌ لِلرِّزْقِ عَلَى الأوْجَهِ. وَقِيلَ: مُلائِمٌ لِلنَّفْسِ تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَرَتَّبُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ لا نِعْمَةَ لِلَّهِ عَلَى كَافِرٍ بَلْ هُوَ مَرْزُوقٌ. قَوْلُهُ: (أَيْ بِجَمِيعِهَا) هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ اللامِ الدَّاخِلَةِ عَلَى جَمْعِ الْقِلَّةِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ) هُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ أَيْ جَمِيعِ نِعَمِهِ أَوْ عَلَى حَقِيقَتِهِ إذْ كُلُّ نِعْمَةٍ فِيهَا نِعَمٌ لا تُحْصَى فَنَحْوُ اللُّقْمَةِ فِيهَا الإقْدَارُ عَلَى تَحْصِيلِهَا وَتَنَاوُلِهَا وَمَضْغِهَا وَإِسَاغَتِهَا وَهَضْمِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِي الْخَبَرِ([29]) لا يَسْتَدِيرُ الرَّغِيفُ وَيُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْك حَتَّى يَعْمَلَ فِيهِ ثَلاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ صَانِعًا أَوَّلُهُمْ مِيكَائِيلُ وَمَلائِكَةُ السَّحَابِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالأفْلاكُ وَمُلُوكُ الْهَوَاءِ وَدَوَابُّ الأرْضِ وَآخِرُ ذَلِكَ الْخَبَّازُ وَالْمُرَادُ أَفْرَادُهَا وَإِلا فَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي جِنْسَيْنِ أُخْرَوِيٍّ وَهُوَ بِالْعَفْوِ وَالرِّضَا وَعُلُوِّ الْمَرَاتِبِ، وَدُنْيَوِيٍّ وَهُوَ إمَّا كَسْبِيٌّ بِتَرْكِ الرَّذَائِلِ وَالتَّحَلِّي بِالْفَضَائِلِ وَالْهَيْئَاتِ الْمَقْبُولَةِ وَالْجَاهِ وَالْمَالِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِمَّا وَهْبِيٌّ، وَهُوَ إمَّا رُوحَانِيٌّ([30]) كَنَفْخِ الرُّوحِ وَالنُّطْقِ وَالْفَهْمِ وَالْفِكْرِ وَإِمَّا جُسْمَانِيٌّ نَحْوُ كَمَالِ الأعْضَاءِ وَصِحَّتِهَا وَاعْتِدَالِهَا.

pعميـرةi

قَوْلُالْمَتْنِ: (الْبَرُّ) يُقَالُ بَرَرْت فُلانًا أَبَرُّهُ بِرًّا فَأَنَا بَرٌّ بِهِ وَبَارٌّ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ الْكَثِيرُ الْجُودِ) قَضِيَّتُهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (جَمْعُ نِعْمَةٍ إلَخْ) لا يُقَالُ: تَنْزِيهُ الأثَرِ عَنْ الإحْصَاءِ بِالْعَدِّ أَبْلَغُ فِي التَّعْظِيمِ مِنْ تَنْزِيهِ صِفَةِ الْفِعْلِ عَنْ ذَلِكَ، لأنَّا نَقُولُ: إجْرَاءُ هَذِهِ الصِّفَاتِ عَلَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَقِبَ حَمْدِهِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَمِدَ عَلَى الإنْعَامِ، قَالَ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ: وَالْحَمْدُ عَلَى الإنْعَامِ الَّذِي هُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِ الْبَارِي أَمْكَنُ فِي التَّعْظِيمِ مِنْ الْحَمْدِ عَلَى الأثَرِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ بِجَمِيعِهَا) هُوَ مِنْ دَلالَةِ اللامِ لأنَّهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ.

pكنـزi

(الْمَانِّ) أَيْ الْمُنْعِمِ (بِاللُّطْفِ) أَيْ بِالإقْدَارِ عَلَى الطَّاعَةِ (وَالإرْشَادِ) أَيْ الْهِدَايَةِ لَهَا (الْهَادِي إلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ) أَيْ الدَّالِ عَلَى طَرِيقِهِ وَهُوَ ضِدُّ الْغَيِّ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (الْمَانِّ) أَيْ الْمُعْطِي هُوَ فَضْلا أَوْ الْمُعَدِّدُ نِعَمَهُ عَلَى عِبَادِهِ لأنَّهُ مِنْهُ مَحْمُودٌ وَمِنْ الْعِبَادِ عَلَى بَعْضِهِمْ مَذْمُومٌ إلا لَمُصْلِحَةٍ تَدْفَعُ مَفْسَدَةً. قَوْلُهُ: (بِاللُّطْفِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَبِفَتْحِهِمَا وَيُطْلَقُ الأوَّلُ عَلَى الرِّفْقِ وَالرَّحْمَةِ وَالثَّانِي عَلَى الْمَبْرُورِ بِهِ وَمِنْهُ مَا سَيَذْكُرُهُ. قَوْلُهُ: (بِالإقْدَارِ) إنْ أُرِيدَ بِهِ الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِهِ تَعَالَى فَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَوْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ فَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. وَصِفَةُ الْعَبْدِ هِيَ الْقُدْرَةُ فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا سَلامَةُ الآلاتِ لَمْ تَخْتَصَّ بِالْمُؤْمِنِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْعَرَضُ الْمُقَارِنُ لِلْمَقْدُورِ اخْتَصَّتْ بِهِ وَعَلَى هَذَا فَاللُّطْفُ مُرَادِفٌ لِلتَّوْفِيقِ وَالطَّاعَةُ فِعْلُ الْمَأْمُورَاتِ. وَلَوْ نَدْبًا وَتَرْكُ الْمَنْهِيَّاتِ وَلَوْ كَرَاهَةً، وَأَخُصُّ مِنْهَا الْقُرْبَةَ لاعْتِبَارِ مَعْرِفَةِ الْمُتَقَرَّبِ إلَيْهِ فِيهَا. وَالْعِبَادَةُ أَخَصُّ مِنْهُمَا مَعًا لأنَّهَا يُعْتَبَرُ فِيهَا النِّيَّةُ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْهِدَايَةِ) فَسَّرَ الإرْشَادَ بِهَا لِدُخُولِهِ فِي حَيِّزِ الْمَنِّ لأنَّهُ عَطْفٌ عَلَى اللُّطْفِ فَهِيَ الدَّلالَةُ([31]) الْمُوَصِّلَةُ. قَوْلُهُ: (الدَّالُّ عَلَى طَرِيقِهِ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْهِدَايَةِ مُطْلَقُ الدَّلالَةِ وَلِذَلِكَ عَدَّاهَا بِعَلَى. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الرَّشَادُ، وَكَذَا الإرْشَادُ وَالرُّشْدُ لأنَّهَا مُتَرَادِفَةٌ مَعْنَاهَا الاسْتِقَامَةُ وَالْفَلاحُ وَفِعْلُهَا رَشِدَ كَعَجِبَ أَوْ رَشُدَ كَحَسُنَ، وَمُخَالَفَةُ تَفْسِيرِهَا الَّذِي سَلَكَهُ الشَّارِحُ لِمُنَاسِبَتِهِ لِحَالِهَا، وَالْغَيُّ ضِدُّ كُلٍّ مِنْهَا. وَأَنْوَاعُ الْهِدَايَةِ لا تَنْحَصِرُ وَأَجْنَاسُهَا أَرْبَعَةٌ مُتَرَتِّبَةٌ، أَوَّلُهَا: إفَاضَةُ الْقُوَى عَلَى الْعَقْلِ وَالْحَوَاسِّ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ. ثَانِيهَا: نَصِبُ الدَّلائِلِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالصَّلاحِ وَالْفَسَادِ ثَالِثُهَا: إرْسَالُ الرُّسُلِ وَإِنْزَالُ الْكُتُبِ. رَابِعُهَا: كَشْفُ حِجَابِ الْقَلْبِ مُطْلَقًا أَوْ لِيَرَى الأشْيَاءَ كَمَا هِيَ وَهَذَا خَاصٌّ بِالأنْبِيَاءِ وَالأوْلِيَاءِ.

pعميـرةi

قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِاللُّطْفِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَاءَ سَبَبِيَّةٌ لِئَلا يَلْزَمَ تَعَلُّقُ الإنْعَامِ بِالإقْدَارِ عَلَى الطَّاعَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْغَيِّ) هُوَ الضَّلالُ وَالْخَيْبَةُ كَمَا قَالَهُ فِي الصَّحَاحِ.

pكنـزi

(الْمُوَفِّقِ لِلتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ) أَيْ الْمُقْدِرِ([32]) عَلَى التَّفَهُّمِ فِي الشَّرِيعَةِ (مَنْ لَطَفَ بِهِ) أَيْ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ (وَاخْتَارَهُ) لَهُ (مِنْ الْعِبَادِ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ "مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"([33]).

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (الْمُقَدِّرُ)([34]) هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْمُوَفِّقِ الْمَأْخُوذِ مِنْ التَّوْفِيقِ الَّذِي هُوَ خَلْقُ الطَّاعَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُرَادِفِ لِلُّطْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَضِدُّهُ الْخِذْلانُ([35]) وَهُوَ خَلْقُ الْمَعْصِيَةِ فِي الْعَبْدِ. قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: وَالْمُخْتَصُّ بِالْمُتَعَلِّمِ مِنْ التَّوْفِيقِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: ذَكَاءُ الْقَرِيحَةِ وَطَبِيعَةٌ صَحِيحَةٌ، وَعِنَايَةٌ مَلِيحَةٌ، وَمُعَلِّمٌ ذُو نَصِيحَةٍ. وَإِذَا جَمَعَ الْمُعَلِّمُ ثَلاثَ خِصَالٍ فَقَدْ تَمَّتْ النِّعْمَةُ عَلَى الْمُتَعَلِّمِ الصَّبْرَ([36]) وَالتَّوَاضُعَ وَحُسْنَ الْخُلُقِ. وَإِذَا جَمَعَ الْمُتَعَلِّمُ ثَلاثَ خِصَالٍ فَقَدْ تَمَّتْ النِّعْمَةُ عَلَى الْمُعَلِّمِ: الْعَقْلَ وَالأدَبَ وَحُسْنَ الْفَهْمِ. قَوْلُهُ: (عَلَى التَّفَهُّمِ) هُوَ تَفْسِيرٌ لِلتَّفَقُّهِ وَهُوَ أَخْذُ الْفِقْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا. يُقَالُ: فَقِهَ إذَا فَهِمَ وَزْنًا وَمَعْنًى. وَفَقَهَ إذَا سَبَقَ إلَى الْفَهْمِ وَزْنًا وَمَعْنًى أَيْضًا وَفَقُهَ بِالضَّمِّ صَارَ الْفِقْهُ سَجِيَّةً لَهُ، وَهَذَا مَعْنَى الْفِقْهِ لُغَةً، وَأَمَّا اصْطِلاحًا فَهُوَ الْعِلْمُ بِالأحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسَبُ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ، وَمَوْضُوعُهُ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ، وَاسْتِمْدَادُهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَغَايَتُهُ تَكْمِيلُ الْقُوَى النُّطْقِيَّةِ وَالشَّهَوِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا أَبْوَابُ الْفِقْهِ وَالْفَوْزُ بِالسَّعَادَةِ الأبَدِيَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي الشَّرِيعَةِ) تَفْسِيرٌ لِلدِّينِ سُمِّيَ شَرِيعَةً لإمْلاءِ الشَّارِعِ لَهُ عَلَيْنَا وَدِينًا لِلتَّدَيُّنِ بِهِ بِمَعْنَى الانْقِيَادِ لِلْعَمَلِ بِهِ، وَيُسَمَّى مِلَّةً أَيْضًا لِلإمْلاءِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ) لَمْ يُفَسِّرْ اللُّطْفَ بِمَا سَبَقَ فِرَارًا مِنْ التَّكْرَارِ، وَلِعَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى هُنَا، وَلِمُنَاسَبَةِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. وَاللامُ فِي الْخَيْرِ لِلْعُمُومِ وَالْكَمَالِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (لَهُ) ضَمِيرُهُ عَائِدٌ عَلَى الْخَيْرِ لِقُرْبِهِ وَرُجُوعُهُ لِلتَّفَقُّهِ بَعِيدٌ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ رُجُوعُهُ لِلَّهِ. قَوْلُهُ: (خَيْرًا) هُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَيَعُمُّ كُلَّ خَيْرٍ وَتَنْوِينُهُ لِلتَّعْظِيمِ، فَهُوَ الْخَيْرُ الْكَامِلُ، فَلا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخَيْرِ لِغَيْرِهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِيهِ بُشْرَى عَظِيمَةٌ لِلْمُتَفَقِّهِ لأنَّ إرَادَةَ الْخَيْرِ مِنْ اللَّهِ لِلْعَبْدِ مُغَيَّبَةٌ، وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا بِالْعَلامَاتِ، وَهَذِهِ أَقْوَاهَا لِصُدُورِهَا عَنْ الرَّسُولِ r وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ r قَالَ: "مَجْلِسُ فِقْهٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً"، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْفَقِيهُ هُوَ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبُ فِي الآخِرَةِ الْبَصِيرُ بِأَمْرِ دِينِهِ الْمُدَاوِمُ عَلَى عِبَادَةِ رَبِّهِ([37]).

pعميـرةi

قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ الْمُقَدِّرُ)([38]) يَقْتَضِي مُرَادَفَتَهُ لِلُّطْفِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ) لَمْ يُفَسِّرْهُ بِمَا سَبَقَ وَفَاءً بِمَا فِي الْحَدِيثِ الآتِي. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لَهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلْخَيْرِ مِنْ قَوْلِهِ أَيْ أَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا إلَخْ) لا يُقَالُ فِيهِ تَرْتِيبُ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ عَلَى إرَادَةِ اللَّهِ بِهِ خَيْرًا إمَا لأنَّا نَقُولُ بَلْ عَلَى إرَادَةِ كُلِّ خَيْرٍ أَخْذًا مِنْ عُمُومِ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَلَئِنْ سَلِمَ عَدَمُ الْعُمُومِ فَالتَّنْكِيرُ لِلتَّعْظِيمِ.

pكنـزi

(أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ حَمْدٍ) أَيْ أَنْهَاهُ (وَأَكْمَلَهُ وَأَزْكَاهُ) أَيْ أَنْمَاهُ (وَأَشْمَلَهُ) أَيْ أَعَمَّهُ الْمَعْنَى أَصِفُهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إذْ كُلٌّ مِنْهَا جَمِيلٌ وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ إيجَادُ الْحَمْدِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ حَمْدِهِ الأوَّلِ، وَذَلِكَ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهُ، وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ([39]) "إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ" أَيْ نَحْمَدُهُ، لأنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (وَأَكْمَلَهُ)    أَيْ أَتَمَّهُ. قَوْلُهُ: (الْمَعْنَى) لَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ وَافِيًا بِكَلامِ الْمُصَنِّفِ لأنَّ الأبْلَغِيَّةَ وُصُولُهُ إلَى مُنْتَهَاهُ، وَلا يَلْزَمُ مِنْهَا تَمَامُهُ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ تَمَامِهِ نُمُوُّهُ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ نُمُوِّهِ عُمُومُهُ، فَإِذَا جَمَعْت هَذِهِ الْكِمَالاتِ رَأَيْت مَا ذَكَرَهُ قَاصِرًا عَنْهَا فَتَأَمَّلْ، وَمَعْنَى أَصِفُهُ أَعْتَرِفُ بِاتِّصَافِهِ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ لا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا لأنَّهُ لا يُتَصَوَّرُ، وَعُلِمَ مِنْ كَلامِهِ اتِّحَادُ مَعْنَى الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَحْسُوسِ، وَإِلا فَالتَّمَامُ لِنَقْصِ الذَّاتِ وَالْكَمَالُ لِنَقْصِ صِفَتِهَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالْقَصْدُ إلَخْ) تَقَدَّمَ مَا فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ أَبْلَغُ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ فِيهِ التَّجَدُّدَ إلَى غَيْرِ النِّهَايَةِ مَعَ وَصْفِهِ بِأَوْصَافِ الْكَمَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالأوَّلُ أَوْقَعُ أَيْ أَكْثَرُ تَمَكُّنًا مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهُ أَيْ تَعْيِينُهُ بِالْمَالِكِيَّةِ أَوْ الاسْتِحْقَاقِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الآخَرِ أَيْضًا لأنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ عُمُومِ وَصْفِهِ الْمُفِيدِ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ مَا صَنَعَهُ الْمُصَنِّفُ، مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْحَدِيثِ، وَأَشَارَ بِتَفْسِيرِهِ إلَى أَنَّ الْحَمْدَ الأوَّلَ عِلَّةٌ فِي صُدُورِ الْحَمْدِ الثَّانِي.

pعميـرةi

قَوْلُ الشَّارِحِ: (إذْ كُلٌّ مِنْهَا جَمِيلٌ) أَيْ وَالْحَمْدُ هُوَ الْوَصْفُ بِالْجَمِيلِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ حَيْثُ تَفْصِيلُهُ) أَيْ تَعْيِينُهُ وَهُوَ صِفَةُ الْمَالِكِيَّةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ نَحْمَدُهُ إلَخْ) أَيْ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ أَيْضًا أَحْمَدُهُ أَبْلَغَ حَمْدٍ إلَخْ لأنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْحَمْدِ.

pكنـزi

(وَأَشْهَدُ) أَيْ أَعْلَمُ (أَنْ لا إلَهَ) أي: لا مَعْبُودَ بِحَقٍّ فِي الْوُجُودِ (إلا اللَّهُ) الْوَاجِبُ الْوُجُودِ (الْوَاحِدُ) أَيْ الَّذِي لا تَعَدُّدَ لَهُ فَلا يَنْقَسِمُ بِوَجْهٍ، وَلا نَظِيرَ لَهُ، فَلا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِوَجْهٍ (الْغَفَّارُ) أَيْ السَّتَّارُ لِذُنُوبِ مَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَلا يُظْهِرُهَا بِالْعِقَابِ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَقُلْ الْقَهَّارُ بَدَلَ الْغَفَّارِ لأنَّ مَعْنَى الْقَهْرِ مَأْخُوذٌ مِمَّا قَبْلَهُ إذْ مِنْ شَأْنِ الْوَاحِدِ فِي مُلْكِهِ الْقَهْرُ([40]).

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (أَعْلَمُ) بِمَعْنَى أَتَيَقَّنُ وَأُذْعِنُ، فَلا يَكْفِي الْعِلْمُ وَحْدَهُ وَلا الْعِلْمُ وَالتَّيَقُّنُ مِنْ غَيْرِ إذْعَانٍ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الْمُنَافِقِينَ([41])، وَضَبْطُ الْمُصَنِّفِ لَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ اللامِ لَعَلَّهُ يُنَاسِبُ مَعْنَى أَشْهَدُ لأنَّ الشَّهَادَةَ إعْلامُ الْغَيْرِ لا أَنَّهُ الْمُرَادُ مِنْهَا. قَوْلُهُ (بِحَقٍّ فِي الْوُجُودِ) ذَكَرَهُمَا لأنَّهُمَا مَحَلُّ النِّزَاعِ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ. قَوْلُهُ: (الْوَاجِبُ الْوُجُودِ) هُوَ الَّذِي لا يَحْتَاجُ فِي وُجُودِهِ إلَى شَيْءٍ أَصْلا مَعَ اسْتِحَالَةِ عَدَمِهِ. قَوْلُهُ: (فَلا يَنْقَسِمُ بِوَجْهٍ) أَيْ لا فِعْلا وَلا وَهْمًا وَلا فَرْضًا. قَوْلُهُ: (فَلا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِوَجْهٍ) أَيْ لا فِي ذَاتِهِ وَلا فِي صِفَاتِهِ وَلا فِي أَفْعَالِهِ. قَوْلُهُ: (الْغَفَّارُ). قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هُوَ مَعَ التَّعْرِيفِ بِأَلْ خَاصٌّ بِاَللَّهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ الْفِعْلُ مِنْهُ وَالاسْمُ مُنَكَّرًا أَوْ مُضَافًا. عَلَى غَيْرِهِ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (الْمُؤْمِنِينَ) سِرُّ تَقْيِيدِهِ بِهِمْ أَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ الذُّنُوبَ الْمَسْتُورَةَ إلَى مَنْ أَرَادَ شَمِلَ سَتْرَ جَمِيعِهَا وَهُوَ لا يَأْتِي فِي الْكَافِرِ لأنَّ ذَنْبَ الشِّرْكِ لا يُغْفَرُ، فَلا يَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ بِمَغْفِرَتِهِ وَيَجُوزُ بِمَغْفِرَةِ مَا عَدَاهُ خِلافًا لِلنَّوَوِيِّ([42]) وبِالرَّحْمَةِ وَبِصِحَّةِ الْبَدَنِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَبِالْهِدَايَةِ وَيَجُوزُ التَّأْمِينُ عَلَى دُعَائِهِ وَيَجُوزُ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْهُ([43]). قَوْلُهُ: (لأنَّ مَعْنَى الْقَهْرِ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ، وَالأوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لِمُلاحَظَةِ أَنَّ الْمَقَامَ مَطْلُوبٌ فِيهِ الذِّلَّةُ وَالْخُضُوعُ([44]) فَلا يُنَافِي مَا فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ.

pعميـرةi

قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ أَعْلَمُ) أَيْ وَأُذْعِنُ أَيْضًا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لا يَنْقَسِمُ بِوَجْهٍ) أَيْ لا فِعْلا وَلا فَرْضًا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ) يَقْتَضِي أَنَّ الْكَافِرَ لا يُغْفَرُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَعَاصِي الزَّائِدَةِ عَلَى كُفْرِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْقَهَّارُ بَدَلَ الْغَفَّارِ) أَيْ كَمَا فِي التَّنْزِيلِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لأنَّ مَعْنَى الْقَهْرِ إلَخْ) لا يُقَالُ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا فِي التَّنْزِيلِ؛ وَلأنَّا نَقُولُ: الْمَقَامُ هُنَا مَقَامُ الْوَصْفِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ وَالإنْعَامِ فَكَانَ ذِكْرُ الْغَفَّارِ هُنَا أَنْسَبَ.

pكنـزi

(وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَارُ) أَيْ مِنْ النَّاسِ لِيَدْعُوَهُمْ إلَى دِينِ الإسْلامِ (صَلَّى اللَّه وَسَلَم عَلَيْهِ وَزَادَهُ فَضْلا وَشَرَفًا لَدَيْهِ) أَيْ عِنْدَهُ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (مُحَمَّدًا) هُوَ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةٍ هِيَ اسْمُ مَفْعُولٍ مُضَعَّفٌ بِتَكْرِيرِ عَيْنِهِ سَمَّاهُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِإِلْهَامٍ مِنْ اللَّهِ رَجَاءَ أَنْ تَكْثُرَ خِصَالُهُ الْحَمِيدَةُ فَيَحْمَدُهُ النَّاسُ كَثِيرًا، وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ تَعَالَى رَجَاءَهُ كَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ، كَذَا قَالُوا، وَفِيهِ نَظَرٌ بِمَا قِيلَ إنَّ تَسْمِيَتَهُ بِذَلِكَ بِأَمْرِ الْمَلائِكَةِ لأمِّهِ بِهِ، وَفِيهِ بَحْثٌ، تَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (عَبْدُهُ) الْعَبْدُ فِي الأصْلِ صِفَةٌ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ اسْتِعْمَالَ الأسْمَاءِ، وَالتَّعَبُّدُ: التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ. وَالْعُبُودِيَّةُ أَشْرَفُ مِنْ الْعِبَادَةِ، بَلْ هِيَ أَشْرَفُ صِفَاتِ الإنْسَانِ، وَلِذَلِكَ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا نَبِيَّهُ r فِي أَشْرَفِ الْمَوَاضِعِ، وَمِنْ نَظْمِ الْقَاضِي عِيَاضٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

وَمِمَّا زَادَنِـي شَـرَفًا وَتِـيهًا دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِك يَا عِبَادِي وكِدْت بِأَخْمُصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا وَأَنْ صَيَّرْت أَحْمَدَ لِـي نَبِيَّا

قَوْلُهُ: (وَرَسُولُهُ) وَصَفَهُ بِالْمُبَالَغَةِ لأنَّهُ تَتَبَّعَ أَخْبَارَ مُرْسِلِهِ، وَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّهُ لأنَّهُ أَخَصُّ، إذْ النَّبِيُّ إنْسَانٌ ذَكَرٌ حُرٌّ مِنْ بَنِي آدَمَ سَلِيمٌ عَنْ مُنَفِّرٍ طَبْعًا أُوحِيَ إلَيْهِ بِشَرْعٍ يَعْمَلُ بِهِ، فَإِنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ فَرَسُولٌ، فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ وَلا عَكْسَ. قَوْلُهُ: (الْمُصْطَفَى) مِنْ الصَّفْوَةِ فَأَصْلُ طَائِهِ تَاءٌ، وَالْمُخْتَارُ تَفْسِيرٌ لَهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ النَّاسِ) هُمْ الإنْسُ وَالْجِنُّ لا الْمَلائِكَةُ قَالَهُ شَيْخُنَا "م ر": وَالرَّاجِحُ خِلافُهُ، وَإِنَّمَا تَخْصِيصُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ لِيَدْعُوَهُمْ إلَخْ فَإِنْ أَرَادَ شَيْخُنَا هَذَا فَوَاضِحٌ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اخْتِيَارُهُ عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ لأنَّهُمْ أَفْضَلُ أَنْوَاعِ الْخَلْقِ وَخَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لأجْلِ مَا بَعْدَهُ، وَإِلا فَهُوَ مُرْسَلٌ لِسَائِرِ الْخَلْقِ حَتَّى الْمَلائِكَةِ وَالْجَمَادِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ وَهُمْ الأنْبِيَاءُ وَعِدَّتُهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، مِنْهُمْ الرُّسُلُ ثَلاثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوْ ثَلاثَةَ عَشَرَ أَفْضَلُ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلائِكَةِ وَهُمْ رُسُلُهُمْ كَجِبْرِيلَ خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَأَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْبَشَرِ وَهُمْ الأتْقِيَاءُ، وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلائِكَةِ، وَبَنَاتُ آدَمَ أَفْضَلُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ اللَّوَاتِي خُلِقْنَ مِنْ الزَّعْفَرَانِ أَوْ مِنْ تَسْبِيحِ الْمَلائِكَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ([45]). قَوْلُهُ: (r) الصَّلاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ، وَمِنْ الْمَلائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ، وَمِنْ غَيْرِهِمَا دُعَاءٌ، وَالْمُرَادُ مِنْ "الصَّلاةِ" مِنْهُمْ كُلُّ لَفْظٍ فِيهِ دُعَاءٌ كَالرَّحْمَةِ وَالْعَفْوِ وَالرِّضَا، وَمَعْنَى صَلاتِنَا عَلَيْهِ r طَلَبُ الصَّلاةِ مِنْ اللَّهِ عَلَيْهِ إمَّا لِزِيَادَةِ الْمَرَاتِبِ لَهُ r فَإِنَّهَا لا نِهَايَةَ لَهَا، وَإِمَّا لِحُصُولِ الثَّوَابِ لَنَا بِهَا، وَإِمَّا لِكَمَالِ الطَّالِبِ وَتَعْظِيمِ الْمَطْلُوبِ لَهُ فَهِيَ لَيْسَ مِنَّا، وَلِذَلِكَ لا يَدْخُلُهَا الرِّيَاءُ([46]) بِخِلافِ سَائِرِ الأعْمَالِ وَالسَّلامُ بِمَعْنَى السَّلامَةِ مِنْ النَّقَائِصِ، وَعَدَّى الصَّلاةَ "بِعَلَى" لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الرَّحْمَةِ([47]) وَإِنْ امْتَنَعَ الدُّعَاءُ لَهُ بِهَا لِبَشَاعَةِ اللَّفْظِ بِإِيهَامِ الذَّنْبِ، وَأَتَى بِالسَّلامِ لِمُشَارَكَتِهِ لِلصَّلاةِ فِي الطَّلَبِ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا مِنْ كَرَاهَةِ إفْرَادِ أَحَدِهِمَا عَنْ الآخَرِ لَفْظًا وَخَطًّا مَعًا، وَقِيلَ: لَفْظًا وَنِيَّةً، وَقِيلَ: لَفْظًا فَقَطْ. قَوْلُهُ: (فَضْلا وَشَرَفًا) عَطْفُهُ مُرَادِفٌ أَوْ الأوَّلُ لِلْمَعَارِفِ الْبَاطِنَةِ وَالثَّانِي لِلأخْلاقِ الظَّاهِرَةِ، وَهُمَا وَلَدَيْهِ مَعْمُولاتٌ لِزَادَ.

pعميـرةi

قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْمُخْتَارُ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ النَّاسِ) الأوْلَى أَنْ يَقُولَ: مِنْ الْخَلْقِ، لِيَدْعُوَهُمْ لأنَّ دَعْوَتَهُ تَعُمُّ غَيْرَ الْبَشَرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (لَدَيْهِ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: زَادَهُ.

pكنـزi

وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ الدُّعَاءُ، أَيْ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَزِدْهُ. وَذَكَرَ التَّشَهُّدَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ "كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ"([48]) أَيْ الْقَلِيلَةِ الْبَرَكَةِ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (وَالْقَصْدُ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ إنْشَائِيَّةٌ مَعْنًى لأنَّهُ لا يَحْصُلُ مَضْمُونُهَا بِبَقَائِهَا عَلَى الْخَبَرِيَّةِ، وَقِيَاسُهَا عَلَى جُمْلَةِ الْحَمْدِ فَاسِدٌ، إذْ لَيْسَ الإخْبَارُ بِهَا طَلَبًا لِلصَّلاةِ وَالسَّلامِ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (الْقَلِيلَةِ الْبَرَكَةِ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِنْ تَمَّتْ فِي الْحِسِّ كَعَكْسِهِ.

(تَنْبِيهَانِ: أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَكَتَ عَنْ الصَّلاةِ عَلَى الآلِ وَالصَّحْبِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ الصَّلاةُ عَلَيْهِمْ مُفَادُهَا حُصُولُ الْمَغْفِرَةِ وَقَدْ حَصَلَتْ لَهُمْ بِذِكْرِ الْغَفَّارِ، فَاسْتَغْنَى بِهِ فَتَأَمَّلْهُ.

ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ قَدْ اخْتَارَ فِي جُمْلَةِ الْحَمْدِ الْفَصْلَ([49])، وَهُوَ عَدَمُ الْعَطْفِ لِلإشَارَةِ إلَى اسْتِقْلالِهَا، وَقَدَّمَ الْبَسْمَلَةَ عَلَيْهَا لِتَعَلُّقِهَا بِالذَّاتِ وَعَمَلا بِالْكِتَابِ وَالإجْمَاعِ، وَاخْتَارَ فِي جُمْلَةِ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ الْوَصْلَ، وَهُوَ الْعَطْفُ بِدُخُولِهِمَا فِي جُمْلَةِ التَّشَهُّدِ إيذَانًا بِالتَّبَعِيَّةِ لِتَمَيُّزِ رُتْبَةِ التَّابِعِ عَنْ رُتْبَةِ الْمَتْبُوعِ.

pكنـزi

(أَمَّا بَعْدُ) أَيْ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ (فَإِنَّ الاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ) الْمَعْهُودِ شَرْعًا الصَّادِقِ بِالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ (مِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ) لأنَّهَا مَفْرُوضَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ. وَالْمَفْرُوضُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْدُوبِ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (أَمَّا بَعْدُ) ذِكْرُهَا مَنْدُوبٌ تَبَعًا لَهُ r فِي خُطَبِهِ وَكُتُبِهِ. وَلا يُؤْتَى بِهَا إلا بَيْنَ أُسْلُوبَيْنِ مِنْ الْكَلامِ، وَأَوَّلُ مَنْ نَطَقَ بِهَا دَاوُد r وَهِيَ فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ لأنَّ جَمِيعَ الْكُتُبِ نَزَلَتْ عَلَى الأنْبِيَاءِ بِالْعَرَبِيَّةِ ابْتِدَاءً كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مُوَضَّحًا، وَقِيلَ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ([50])، وَقِيلَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ، وَقِيلَ يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ، وَأَصْلُهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ بَعْدَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَمَا بَعْدَهُمَا، فَكَذَا فـ"َهُمَا" مُبْتَدَأٌ وَضُمِّنَ مَعْنَى الشَّرْطِ، وَ"يَكُنْ" فِعْلُهُ، وَجُمْلَتُهُ هِيَ الْخَبَرُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهِيَ تَامَّةٌ، وَفَاعِلُهَا ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَهْمَا، وَ"مِنْ شَيْءٍ" بَيَانٌ لِمَا، وَلا يَصِحُّ كَوْنُ شَيْءٍ هُوَ الْفَاعِلُ وَمِنْ زَائِدَةٌ لِخُلُوِّ الْخَبَرِ عَنْ رَابِطٍ يَعُودُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، فَحُذِفَ "مَهْمَا" وَ"يَكُنْ"، وَأُقِيمَ "أَمَّا" مَقَامَهُمَا اخْتِصَارًا وَتَفْصِيلا لِلْمُجْمَلِ الْوَاقِعِ فِي الذِّهْنِ. فَحِينَ تَضَمَّنَتْ مَعْنَاهُمَا لَزِمَهَا لُصُوقُ الاسْمِ وَالْفَاءِ، وَعَمِلَتْ فِي الظَّرْفِ قَضَاءً لِحَقِّ مَا كَانَ بِقَدْرِ الإمْكَانِ وَالظَّرْفُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ لِنِيَّةِ مَعْنَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَرُوِيَ مَنْصُوبًا بِلا تَنْوِينٍ لِنِيَّةِ لَفْظِهِ، وَرُوِيَ مُنَوَّنًا مَرْفُوعًا وَمَنْصُوبًا بِالْقَطْعَةِ عَنْهُمَا، وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَالأخِيرُ فِي كَلامِ الْمُصَنِّفِ صَحِيحٌ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَرْسُمُ الْمَنْصُوبَ بِصُورَةِ الْمَرْفُوعِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ تَعْلِيقُ فَضْلِ الاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ فِي الْكَوْنِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ وَمَا بَعْدَهَا، وَالْكَوْنُ لا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ فَفَضْلُ الاشْتِغَالِ ثَابِتٌ لأنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَى الْوُجُودِ يَلْزَمُهُ الْوُجُود.

pعميـرةi

قَوْلُ الشَّارِحِ: (شَرْعًا) أَيْ فِيهِ فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ.

pكنـزi

وَالاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ مِنْهُ لأنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَفِي حَدِيثٍ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ "فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ" (وَ) مِنْ (أَوْلَى مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ نَفَائِسُ الأوْقَاتِ) وَهُوَ الْعِبَادَاتُ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (الاشْتِغَالَ) أَيْ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ لا بِطَلَبِهِمَا وَحْدَهُ. قَوْلُهُ: (الْمَعْهُودِ شَرْعًا) فَـ(أَلْ) فِي الْعَلَمِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ لِكُلِّ عِلْمٍ يَجُوزُ الاشْتِغَالُ بِهِ شَرْعًا، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومَاتُ أَوْ إدْرَاكُهَا. قَوْلُهُ: (بِالْفِقْهِ إلَخْ) رَتَّبَهَا كَذَلِكَ لأنَّهُ اصْطِلاحُ الْفُقَهَاءِ فِي الرُّتْبَةِ وَنَظَرًا لِكَثْرَةِ الْوُجُودِ وَفَضْلِهَا عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ التَّرْتِيبِ. قَوْلُهُ: (فَضْلُ الْعَالِمِ) أَيْ الْعَامِلِ بِعِلْمِهِ عَلَى الْعَابِدِ أَيْ الْمُتَعَبِّدِ بِعِلْمٍ، وَالْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ أَوْ لِلأمَّةِ وَهُوَ أَمْدَحُ، وَأَلْ فِيهِمَا لِلْجِنْسِ، نَحْوَ الرَّجُلُ خَيْرٌ مِنْ الْمَرْأَةِ، أَوْ لِلاسْتِغْرَاقِ أَيْ فَضْلُ كُلِّ عَالِمٍ عَلَى كُلِّ عَابِدٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ نِسْبَةَ شَرَفِ الْعَالِمِ إلَى شَرَفِ الْعَابِدِ كَنِسْبَةِ شَرَفِهِ r إلَى أَدْنَى الصَّحَابَةِ أَوْ الأمَّةِ، وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي حَسَّنَهُ بَعْضُهُمْ "لَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ"([51]) وَفِي رِوَايَةٍ "إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَأَهْلَ الأرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ فِي الْمَاءِ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ"([52]) وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنها- قَالا: بَابٌ نَتَعَلَّمُهُ مِنْ الْعِلْمِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ أَلْفِ رَكْعَةٍ تَطَوُّعًا، وَبَابٌ مِنْ الْعِلْمِ نَعْلَمُهُ عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ مِائَةِ رَكْعَةٍ تَطَوُّعًا، أَوْ قَالا: أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ سَبْعِينَ غَزْوَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ([53]). وَفِي ذَلِكَ زِيَادَةُ فَضْلِ التَّعَلُّمِ عَلَى التَّعْلِيمِ وَلَعَلَّهُ لإمْكَانِ الْعَمَلِ إلا إنْ كَانَتْ الْغَزَوَاتُ أَفْضَلَ مِنْ الألْفِ رَكْعَةٍ أَوْ مُسَاوِيَةً لَهَا، وَيَكُونُ ذِكْرُ الْمِائَةِ رَكْعَةٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الإخْبَارِ بِالأقَلِّ قَبْلَ الأكْثَرِ، وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: هَلْ الْعِلْمُ أَفْضَلُ أَوْ الْمَالُ؟ فَقَالَ: الْعِلْمُ، فَقَالُوا: فَمَا لَنَا نَرَى الْعُلَمَاءَ عَلَى أَبْوَابِ الأغْنِيَاءِ وَلا نَرَى الأغْنِيَاءَ عَلَى أَبْوَابِ الْعُلَمَاءِ؟ فَقَالَ: الْعُلَمَاءُ عَرَفُوا مَنْفَعَةَ الْمَالِ، وَالأغْنِيَاءُ جَهِلُوا فَضِيلَةَ الْعِلْمِ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ "مَجْلِسُ فِقْهٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً"، وَفِي حَدِيثٍ قَوَّاهُ بَعْضُهُمْ وَضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ "نَظْرَةٌ فِي وَجْهِ الْعَالِمِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ سِتِّينَ سَنَةً صِيَامًا وَقِيَامًا".

قَوْلُهُ: (أُنْفِقَتْ) يُقَالُ فِي الْخَيْرِ أَنْفَقْت، وَفِي غَيْرِهِ أَسْرَفْت وَضَيَّعْت وَغَرِمْت. قَوْلُهُ: (نَفَائِسُ) جَمْعُ نَفِيسَةٍ فَلَوْ عَبَّرَ بَدَلَ الأوْقَاتِ بِمَا مُفْرَدُهُ مُؤَنَّثٌ كَالسَّاعَاتِ كَانَ أَوْلَى، قَالَهُ الإسْنَوِيُّ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ مَا أَنْفَقْت.

pعميـرةi

قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى كُلُّ عَالِمٍ عَامِلٍ عَلَى كُلِّ عَابِدٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَدْنَاكُمْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لأصْحَابِهِ r أَوْ لِلأمَّةِ.

pكنـزi

شَبَّهَ شَغْلَ الأوْقَاتِ بِهَا بِصَرْفِ الْمَالِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ الْمُسَمَّى بِالإنْفَاقِ، وَوَصَفَ الأوْقَاتَ بِالنَّفَاسَةِ لأنَّهُ لا يُمْكِنُ تَعْوِيضُ مَا يَفُوتُ مِنْهَا بِلا عِبَادَةٍ، وَأَضَافَ إلَيْهَا صِفَتَهَا لِلسَّجْعِ، وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ مِنْ إضَافَةِ الأعَمِّ إلَى الأخَصِّ كَمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَلا يَصِحُّ عَطْفُ "أَوْلَى" عَلَى "مِنْ أَفْضَلِ" لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (شَبَّهَ إلَخْ) فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرَّحَةٌ لِوُقُوعِهَا فِي الْمَصْدَرِ أَوْ لا تَبَعِيَّةَ لاشْتِقَاقِ الْفِعْلِ مِنْهُ، وَالْجَامِعُ الْوُصُولُ إلَى الْمَقْصُودِ، وَيَصِحُّ كَوْنُهَا اسْتِعَارَةً مَكْنِيَّةً، وَأَنَّ التَّشْبِيهَ بِالْمَالِ وَإِثْبَاتَ الإنْفَاقِ تَخْيِيلٌ. قَوْلُهُ: (شَغْلَ). قَالَ الدَّمِيرِيِّ: فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ ضَمُّ أَوَّلِهِ وَفَتْحُهُ مَعَ سُكُونِ ثَانِيهِ، وَفَتْحُهُمَا، وَضَمُّهُمَا، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ كَسْرَ الشِّينِ وَالْغَيْنِ وَسُكُونَ الْغَيْنِ مَعَ كَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحَ الشِّينِ مَعَ كَسْرِ الْغَيْنِ. قَوْلُهُ: (لأنَّهُ لا يُمْكِنُ إلَخْ) فَنَفَاسَتُهَا فِي ذَاتِهَا وَإِنْ لَمْ تُصْرَفْ فِي شَيْءٍ.

قَوْلُهُ: (لِلتَّنَافِي) أَيْ بَيْنَ الأفْضَلِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَالأوْلَوِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ الَّتِي هِيَ الْمُرَادَةُ عِنْدَ الإطْلاقِ، لا بِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ الأفْرَادِ، فَلا يَرِدُ مَا قِيلَ إنَّهُ لا تَنَافِي لأنَّ النَّبِيَّ r مِنْ الأفْضَلِ وَهُمْ الأنْبِيَاءُ، وَهُوَ أَوْلاهُمْ.

pعميـرةi

قَوْلُ الشَّارِحِ: (شَبَّهَ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مِنْ الاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ الْمُصَرَّحَةِ، وَالْجَامِعُ مَا يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَقَاصِدِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَصِحُّ تَشْبِيهُ الأوْقَاتِ بِالْمَالِ فَتَكُونُ مَكْنِيَّةً وَإِثْبَاتُ الإنْفَاقِ تَخْيِيلٌ قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِلا عِبَادَةٍ) أَيْ أَمَّا الَّذِي فَاتَ مَشْغُولا بِالْعِبَادَةِ فَلا يُطْلَبُ تَعْوِيضُهُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ) أَيْ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْعَطْفُ عَلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ مَعًا لأنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ بَعْضُ الأفْضَلِ، وَذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الأوْلَى صَرْفُ الأوْقَاتِ النَّفِيسَةِ فِيهِ، وَلَك أَنْ تَقُولَ: مُفَادُ الْكَلامِ الأوَّلِ أَنَّ الاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ بَعْضُ الأفْضَلِ، وَالأفْضَلُ فِي ذَاتِهِ مُتَفَاوِتُ الرُّتَبِ، وَلا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ بَعْضَ الأفْضَلِ أَنْ لا يَكُونَ أَفْضَلَ كَالنَّبِيِّ r فَإِنَّهُ بَعْضُ الأفْضَلِ الَّذِينَ هُمْ الأنْبِيَاءُ مَعَ أَنَّهُ أَفْضَلُهُمْ، فَلا تَنَافِيَ إنْ رُوعِيَ مَا فِي الْوَاقِعِ مِنْ أَنَّ الاشْتِغَالَ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَفْضَلُ.

pكنـزi

(وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ مِنْ التَّصْنِيفِ مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ وَالْمُخْتَصَرَاتِ) فِي الْفِقْهِ، وَالصُّحْبَةُ هُنَا الاجْتِمَاعُ فِي اتِّبَاعِ الإمَامِ الْمُجْتَهِدِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ الأحْكَامِ مَجَازًا عَنْ الاجْتِمَاعِ فِي الْعِشرَةِ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (وَقَدْ) هِيَ لِلتَّحْقِيقِ وَالتَّكْثِيرِ مَعًا، وَالْمُرَادُ بِالأصْحَابِ مُعْظَمُهُمْ، وَالتَّصْنِيفُ جَعْلُ الشَّيْءِ أَصْنَافًا مُمَيَّزَةً كَالأبْوَابِ وَالْفُصُولِ. وَالْمَبْسُوطُ مَا كَثُرَ لَفْظُهُ. وَالْمُخْتَصَرُ مَا قَلَّ لَفْظُهُ. وَلا نَظَرَ لِلْمَعْنَى فَلا وَاسِطَةَ.

وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ صَنَّفَ فِي الْفِقْهِ فَقِيلَ: مُحَمَّدُ بْنُ جُرَيْجٍ شَيْخُ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ شَيْخُ الإمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَشَيْخُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَهُوَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ عَنْ النَّبِيِّ r وَقِيلَ: الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ. وَقِيلَ: سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْعُلُومِ فَيُرَاجَعُ مِنْ مَحَلِّهِ وَمِنْهُ الْمُؤَلَّفُ الَّذِي جَمَعْنَا فِيهِ الأوَّلِيَّاتِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ. قَوْلُهُ: (فِي الْعَشَرَةِ) فَهُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ لَهَا.

pعميـرةi

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَقَدْ أَكْثَرَ) هِيَ لِلتَّحْقِيقِ وَالتَّكْثِيرِ إذْ لا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَصْحَابُنَا) أَيْ مَجْمُوعُهُمْ لا كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْهُمْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ الْمَبْسُوطَاتِ) أَيْ مِنْ تَصْنِيفِهَا أَوْ الْمُرَادُ بِالتَّصْنِيفِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ الْمُصَنَّفَاتُ فَمَا بَعْدَهُ بَيَانٌ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (مَجَازًا) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ، وَالصُّحْبَةُ هُنَا مَجَازٌ عَلاقَتُهُ الْمُشَابَهَةُ فِي التَّوَدُّدِ وَالتَّعَاوُنِ.

pكنـزi

(وَأَتْقَنُ مُخْتَصَرٍ الْمُحَرَّرُ لِلإمَامِ أَبِي الْقَاسِم) إمَامِ الدِّينِ عَبْدِ الْكَرِيمِ (الرَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى) مَنْسُوبٌ إلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الصَّحَابِيِّ كَمَا وُجِدَ بِخَطِّهِ فِيمَا حَكَى -رَحِمَهُ اللَّهُ- (ذِي التَّحْقِيقَاتِ) الْكَثِيرَةِ فِي الْعِلْمِ وَالتَّدْقِيقَاتِ الْغَزِيرَةِ فِي الدِّينِ مِنْ كَرَامَاتِهِ مَا حُكِيَ أَنَّ شَجَرَةً أَضَاءَتْ عَلَيْهِ لَمَّا فَقَدَ وَقْتَ التَّصْنِيفِ مَا يُسْرِجُهُ عَلَيْهِ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (وَأَتْقَنُ) أَيْ أَحْكَمُ. وَالْمُحَرَّرُ الْمُنَقَّى الْمُهَذَّبُ، وَكَوْنُ الْمُحَرَّرِ مُبْتَدَأٌ وَمَا قَبْلَهُ الْخَبَرُ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ نَظَرًا لِلأشْهَرِ. قَوْلُهُ: (أَبِي الْقَاسِمِ) هِيَ كُنْيَةُ، وَالتَّكَنِّي بِهَا حَرَامٌ عَلَى وَاضِعِهَا وَلَوْ فِي غَيْرِ زَمَنِهِ r وَلِغَيْرِ مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ كَمَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، وَقَدْ اشْتَهَرَ بِهَا الرَّافِعِيُّ وَلَمْ يُعْلَمْ وَاضِعُهَا أَوْ هُوَ مِمَّنْ يَرَى حِلَّهَا بِأَنْ يُقَيِّدَ الْحُرْمَةَ بِزَمَنِهِr أَوْ بِمَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ أَوْ بِهِمَا مَعًا كَمَا قِيلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (إمَام الدِّينِ عَبْدُ الْكَرِيمِ) فِيهِ تَقْدِيمُ اللَّقَبِ عَلَى الاسْمِ، وَرَأَيْت فِي بَعْضِ التَّوَارِيخِ أَنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ رَافِعٍ فَلا مُخَالَفَةَ إلا مِنْ حَيْثُ الاسْمُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُؤَرِّخِينَ، وَالرَّاجِحُ عِنْدَ النُّحَاةِ عَكْسُهَا. قَوْلُهُ: (فِيمَا حُكِيَ) أَيْ عَنْ قَاضِي قَزْوِينَ مُظَفَّرِ الدِّينِ قَالَ: رَأَيْت بِخَطِّ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ عِنْدِي فِي كِتَابِ التَّدْوِينِ فِي أَخْبَارِ قَزْوِينَ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الصَّحَابِيِّ انْتَهَى، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: هُوَ نِسْبَةٌ إلَى رَافِعَانِ بَلْدَةٌ مِنْ الْعَجَمِ، بَلْ قَالَ الْقَاضِي جَلالُ الدِّينِ: لا يُعْرَفُ فِي نَوَاحِي الْعَجَمِ بَلْدَةٌ تُسَمَّى بِذَلِكَ، وَعَلَى مَنْ قَالَ هُوَ نِسْبَةٌ إلَى بَنِي رَافِعٍ قَبِيلَةٍ مِنْ الْعَرَبِ. قَوْلُهُ: (الْكَثِيرَةِ) هُوَ مِنْ اللامِ الدَّاخِلَةِ عَلَى جَمْعِ الْقِلَّةِ. قَوْلُهُ: (فِي الْعِلْمِ) لامُهُ لِلاسْتِغْرَاقِ فَإِنَّهُ كَمَا نُقِلَ كَانَ إمَامًا فِي غَالِبِ الْعُلُومِ، شَدِيدَ الاحْتِرَازِ فِي تَرْجِيحِهَا وَفِي نَقْلِهَا وَعَزْوِهَا لأهْلِهَا إذَا شَكَّ فِي أَصْلِهَا وَكَانَ الْعِلْمُ فِي أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ كَمَا فِي كِتَابِ الأمَالِي. قَوْلُهُ: (فِي الدِّينِ) قَالَ النَّوَوِيُّ: كَانَ الرَّافِعِيُّ إمَامًا بَارِعًا فِي الْمَعَارِفِ وَالزُّهْدِ وَالْكَرَامَاتِ الْخَارِقَةِ تُوُفِّيَ بِقَزْوِينَ أَوَاخِرَ سَنَةِ ثَلاثٍ أَوَائِلَ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَعُمْرُهُ نَحْوُ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَوْلِدُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَمَوْلِدُ الإمَامِ النَّوَوِيِّ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِنَحْوِ سَبْعِ سِنِينَ لأنَّهُ وُلِدَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ إحْدَى وَثَلاثِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَمَاتَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَعُمْرُهُ نَحْوُ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (مَا حُكِيَ) أَيْ عَنْ الإمَامِ ابْنِ النَّقِيبِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (أَنَّ شَجَرَةً) قِيلَ إنَّهَا مِنْ الْعِنَبِ وَمِنْ كَرَامَاتِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ أَضَاءَ لَهُ أُصْبُعُهُ لَمَّا فَقَدَ فِي وَقْتِ التَّصْنِيفِ مَا يُسْرِجُهُ عَلَيْهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهِيَ سَبَّابَةُ يَدِهِ الْيُسْرَى، وَهَذِهِ أَبْلَغُ كَرَامَةً مِنْ إضَاءَةِ الشَّجَرِ لأنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُوقَدُ.

تَنْبِيهٌ: أَصْلُ التَّحْقِيقِ إثْبَاتُ الْمَسَائِلِ بِالأدِلَّةِ، وَالتَّدْقِيقُ إثْبَاتُ تِلْكَ الأدِلَّةِ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَأَضَافَ الثَّانِيَ لِلدِّينِ، إشَارَةً لِغَزَارَةِ دِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ التَّصْنِيفِ أَوْ الرَّافِعِيِّ حِينَ التَّصْنِيفِ.

pعميـرةi

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَتْقَنُ مُخْتَصَرٍ) أَيْ مِنْ الْمُخْتَصَرَاتِ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (إمَامُ الدِّينِ) فِيهِ تَقْدِيمُ اللَّقَبِ عَلَى الاسْمِ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى اصْطِلاحِ الْمُؤَرِّخِينَ لا عَلَى اصْطِلاحِ النُّحَاةِ مِنْ تَأْخِيرِهِ عَنْ الاسْمِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (ذِي التَّحْقِيقَاتِ) جَمْعُ تَحْقِيقَةٍ وَتَحْقِيقُ الْمَسَائِلِ إثْبَاتُهَا بِالأدِلَّةِ، وَالتَّدْقِيقُ إثْبَاتُهَا بِالأدِلَّةِ وَإِثْبَاتُ الأدِلَّةِ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الْكَثِيرَةِ فِي الْعِلْمِ) أَخَذَهُ مِنْ دَلالَةِ اللامِ لأنَّهَا تُفِيدُ الْعُمُومَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لَمَّا فَقَدَ وَقْتَ التَّصْنِيفِ مَا يُسْرِجُهُ عَلَيْهِ) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ رَاجِعٌ لِلتَّصْنِيفِ.

pكنـزi

(وَهُوَ) أَيْ الْمُحَرَّرُ (كَثِيرُ الْفَوَائِدِ عُمْدَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْمَذْهَبِ) أَيْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ مِنْ الأحْكَامِ فِي الْمَسَائِلِ مَجَازًا عَنْ مَكَانِ الذَّهَابِ (مُعْتَمَدٌ لِلْمُفْتِي وَغَيْرِهِ مِنْ أُولِي الرَّغَبَاتِ) أَيْ أَصْحَابِهَا، وَهِيَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ جَمْعُ رَغْبَةٍ بِسُكُونِهَا.

(وَقَدْ الْتَزَمَ مُصَنِّفُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ يَنُصَّ) فِي مَسَائِلِ الْخِلافِ (عَلَى مَا صَحَّحَهُ مُعْظَمُ الأصْحَابِ) فِيهَا (وَوَفَّى) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ (بِمَا الْتَزَمَهُ) حَسْبَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ فَلا يُنَافِي ذَلِكَ اسْتِدْرَاكَهُ عَلَيْهِ التَّصْحِيحَ فِي الْمَوَاضِعِ الآتِيَةِ (وَهُوَ) أَيْ مَا الْتَزَمَهُ (مِنْ أَهَمِّ أَوْ) هُوَ (أَهَمُّ الْمَطْلُوبَاتِ) لِطَالِبِ الْفِقْهِ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى الْمُصَحَّحِ مِنْ الْخِلافِ فِي مَسَائِلِهِ (لَكِنْ فِي حَجْمِهِ) أَيْ الْمُحَرَّرِ (كَبُرَ أَنْ يُعْجِزَ عَنْ حِفْظُهُ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعَصْرِ) أَيْ الرَّاغِبِينَ فِي حِفْظِ مُخْتَصَرٍ فِي الْفِقْهِ (إلا بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ) مِنْهُمْ فَلا يَكْبُرُ، أَيْ يَعْظُمُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ (فَرَأَيْت) مِنْ الرَّأْيِ فِي الأمُورِ الْمُهِمَّةِ (اخْتِصَارَهُ) بِأَنْ لا يَفُوتَ شَيْءٌ مِنْ مَقَاصِدِهِ (فِي نَحْوِ نِصْفِ حَجْمِهِ) هُوَ صَادِقٌ بِمَا وَقَعَ فِي الْخَارِجِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النِّصْفِ بِيَسِيرٍ (لِيَسْهُلَ حِفْظُهُ) أَيْ الْمُخْتَصَرِ لِكُلِّ مَنْ يَرْغَبُ فِي حِفْظِ مُخْتَصَرٍ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (الْفَوَائِدِ) جَمْعُ فَائِدَةٍ، وَهِيَ لُغَةً كُلُّ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَعُرْفًا كُلُّ مَصْلَحَةٍ تَرَتَّبَتْ عَلَى فِعْلٍ، وَلَهَا أَسْمَاءٌ بِحَسَبِ الْمُرَادِ مِنْهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَحَلِّهِ. قَوْلُهُ: (فِي تَحَقُّقِ الْمَذْهَبِ) أَيْ صَوْغِهِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّابِتِ الْمُحْكَمِ، وَالتَّدْقِيقُ عَلَى هَذَا إمْعَانُ النَّظَرِ وَالْغَوْصُ عَلَى غَوَامِضِ الْعِلْمِ. قَوْلُهُ: (الشَّافِعِيُّ) هُوَ الإمَامُ الأعْظَمُ نِسْبَةً إلَى جَدِّهِ شَافِعٍ، وَنَسَبُهُ مَشْهُورٌ مَذْكُورٌ فِي مَحَلِّهِ، وُلِدَ بِغَزَّةَ وَقِيلَ بِعَسْقَلانَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَمَاتَ بِمِصْرَ، وَدُفِنَ بِقَرَافَتِهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَعَلَى قَبْرِهِ مِنْ الْجَلالَةِ وَالاحْتِرَامِ مَا يُنَاسِبُ مَقَامَ ذَلِكَ الإمَامِ. قَوْلُهُ: (وَأَصْحَابُهُ) أَيْ فِي الْمَذَاهِبِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسَائِلِ) أَيْ مُطْلَقَةً أَوْ الرَّاجِحَةِ لأنَّهَا الْمَقْصُودُ الأعْظَمُ. قَوْلُهُ: (مَكَانِ الذَّهَابِ) فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَكَانِ. قَوْلُهُ: (لِلْمُفْتِي) هُوَ مَنْ يُخْبِرُ سَائِلَهُ عَنْ حُكْمٍ فِي مَسْأَلَتِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْجَوَابُ بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ: كَوْنُ السُّؤَالِ عَنْ وَاجِبٍ وَعِلْمُهُ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، وَخَوْفُ فَوَاتِهِ، وَعَدَالَتُهُ، وَانْفِرَادُهُ بِمَعْرِفَةِ الْحُكْمِ، وَتَكْلِيفُهُ، وَتَكْلِيفُ السَّائِلِ. قَالَ الْمُحَاسِبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يُسْأَلُ الْمُفْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ ثَلاثٍ: هَلْ أَفْتَى عَنْ عِلْمٍ، وَهَلْ نَصَحَ فِي الْفُتْيَا، وَهَلْ أَخْلَصَ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى؟. قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِ) كَالْمُدَرِّسِ وَالْمُتَعَلِّمِ. قَوْلُهُ: (مِنْ أُولَى الرَّغَبَاتِ) بَيَانٌ لِلْغَيْرِ، أَو لهُ وَلِمَا قَبْلَهُ، وَالْمُرَادُ أُولَى الرَّغَبَاتِ فِيهِ لا عَنْهُ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ. قَوْلُهُ: (صَحَّحَهُ) لَوْ قَالَ: رَجَّحَهُ كَمَا فِي أَصْلِهِ لَكَانَ أَعَمَّ، وَيَنُصُّ بِمَعْنَى يَذْكُرُ لأنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى الدَّلِيلِ وَعَلَى اللَّفْظِ الصَّرِيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (مُعْظَمُ الأصْحَابِ) أَيْ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الإمَامِ التَّابِعِينَ لَهُ فِي مَذْهَبِهِ، وَفِي هَذَا تَرْشِيحٌ إلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَوَّلُ مَنْ ابْتَكَرَ تَرْجِيحَ وَاحِدٍ مِنْ الْخِلافَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ مَعَ زِيَادَةِ تَمْيِيزِ الأقْوَالِ وَغَيْرِهَا، وَلَعَلَّ مِنْ بَيْنِهِمَا فِي التَّرْجِيحِ كَذَلِكَ وَهُمْ ثَلاثَةٌ فَإِنَّ النَّوَوِيَّ أَخَذَ عَنْ الْكَمَالِ سَلارَ، وَهُوَ عَنْ الإمَامِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ الشَّامِلِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ عَنْ الشَّيْخِ عَبْدِ الْغَفَّارِ الْقَزْوِينِيِّ صَاحِبِ "الْحَاوِي الصَّغِيرِ"، وَهُوَ عَنْ الإمَامِ الرَّافِعِيِّ، وَهُوَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَبِي الْفَضْلِ، وَهُوَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، وَهُوَ عَنْ مُحَمَّدٍ الْغَزَالِيِّ، وَهُوَ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَهُوَ عَنْ وَالِدِهِ مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ، وَهُوَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ، وَهُوَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَهُوَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَهُوَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الأنْمَاطِيِّ، وَهُوَ عَنْ الْمُزَنِيّ، وَهُوَ عَنْ الإمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ وَتَقَدَّمَ مَشَايِخُ الإمَامِ.

قَوْلُهُ: (حَسْبَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ) غَرَضُ الشَّارِحِ مِنْ هَذَا دَفْعُ الاعْتِرَاضِ بِالاسْتِدْرَاكِ الَّذِي سَيَذْكُرُهُ بَعْدُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَفِيهِ نِسْبَةُ قُصُورٍ لِلرَّافِعِيِّ بِعَدَمِ اطِّلاعِهِ عَلَى ذَلِكَ، فَالأوْلَى أَنْ يَقُولَ: حَسْبَمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وَقْتَ التَّأْلِيفِ، وَلَعَلَّ هَذَا الَّذِي فَهِمَهُ النَّوَوِيُّ حَيْثُ أَطْلَقَ أَنَّهُ وَفَّى بِمَا الْتَزَمَ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: إنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ لَوْ اطَّلَعَ الأصْحَابُ عَلَيْهَا لَقَبِلُوهَا فَهِيَ مَا عَلَيْهِ الْمُعْظَمُ تَقْدِيرًا كَلامٌ فِي غَايَةِ التَّهَافُتِ، وَحَقُّهُ أَنْ لا يُذْكَرَ. قَوْلُهُ: (الْمُصَحَّحِ) ذَكَرَهُ لِرِعَايَةِ كَلامِ الْمُصَنِّفِ وَالأوْلَى الْمُرَجَّحُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (لَكِنْ إلَخْ) هَذَا شُرُوعٌ فِي الْعُذْرِ لاخْتِصَارِهِ.

قَوْلُهُ: (مِنْهُمْ) هُوَ عَائِدٌ لأهْلِ الْعَصْرِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ، فَإِضَافَةُ أَهْلٍ إلَى أَكْثَرَ وَإِضَافَةُ بَعْضٍ إلَى أَهْلِ بَيَانِيَّةٌ أَوْ أَنَّ لَفْظَةَ بَعْضٍ وَلَفْظَةَ أَكْثَرَ مُقْحَمَتَانِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ أَهْلَ الْعَصْرِ فِيهِمْ أَهْلُ عِنَايَاتٍ لا يَكْبُرُ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ، وَقِيلَ إضَافَةُ أَهْلٍ عَلَى مَعْنَى مِنْ وَالاسْتِثْنَاءُ مِنْ الأكْثَرِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الأكْثَرَ فِيهِمْ أَهْلُ عِنَايَاتٍ وَبَعْضُهُمْ لا يَكْبُرُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ، فَيَنْضَمُّ إلَى الأقَلِّ الَّذِي عُلِمَ أَنَّهُمْ يَحْفَظُونَهُ، وَلا يَلْزَمُ كَوْنُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ. وَقِيلَ: لَفْظُ أَكْثَرَ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ، وَالاسْتِثْنَاءُ مِنْ مَفْهُومِهِ مُنْقَطِعٌ بِمَعْنَى لَكِنْ، وَإِضَافَتُهُ إلَى مَا بَعْدَهُ حَقِيقِيَّةٌ أَوْ بَيَانِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الَّذِي خَرَجَ بِالأكْثَرِ أَهْلُ عِنَايَاتٍ، وَبَعْضُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ لا يَكْبُرُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ، وَقِيلَ: ضَمِيرُ مِنْهُمْ عَائِدٌ إلَى الأكْثَرِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ، وَكَأَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ عَلَيْهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الأكْثَرَ الَّذِي اُسْتُفِيدَ مِنْ الْعِبَارَاتِ أَنَّهُمْ يَكْبُرُ عَلَيْهِمْ حِفْظُهُ لَيْسَ عَلَى إطْلاقِهِمْ بَلْ مِنْهُمْ أَهْلُ عِنَايَاتٍ وَبَعْضُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ لا يَكْبُرُ عَلَيْهِ حِفْظُهُ فَيَنْضَمُّونَ لِلْكَثِيرِ الْخَارِجِ بِالأكْثَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ فِيهِ مُنَابَذَةٌ لِظَاهِرِ كَلامِ الشَّارِحِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) ضَمِيرُهُ عَائِدٌ إلَى الْبَعْضِ وَفِي نُسْخَةٍ عَلَيْهِمْ أَيْ الْبَعْضِ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ أَوْ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَيَّ أَنَّ الإضَافَةَ بَيَانِيَّةٌ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (مِنْ الرَّأْيِ) بِمَعْنَى الْجَزْمِ أَوْ الْمُنَاسِبِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لا مِنْ الرُّؤْيَةِ. قَوْلُهُ: بِأَنْ لا يَفُوتَ إلَخْ) دَفْعٌ لِتَوَهُّمِ وُجُودِ الْخَلَلِ الَّذِي رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْ الاخْتِصَارِ. قَوْلُهُ: (هُوَ صَادِقٌ إلَخْ) فَالْمُرَادُ بِالنَّحْوِ الزِّيَادَةُ بِقَرِينَةِ الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: بِيَسِيرٍ، إلَى الرَّدِّ عَلَى الإسْنَوِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ قَدْرُ ثَلاثَةِ أَرْبَاعِهِ، وَسَيُصَرَّحُ بِهِ. قَوْلُهُ: (أَيْ الْمُخْتَصَرِ) الْمَفْهُومُ مِنْ اخْتِصَارِهِ دُفِعَ بِهِ رُجُوعُ ضَمِيرِهِ لِلْمُحَرَّرِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ.

قَوْلُهُ (ذَلِكَ الْمُخْتَصَرِ) فَالْحَالُ مِنْ ضَمِيرِ حِفْظِهِ.

pعميـرةi

قَوْلُ الْمَتْنِ: (عُمْدَةٌ) خَبَرٌ ثَانٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مَجَازًا إلَخْ) أَيْ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ مُصَرَّحَةٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُعْتَمَدٌ) خَبَرٌ ثَالِثٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ أُولَى الرَّغَبَاتِ إلَخْ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ وَغَيْرِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَنْ يَنُصَّ) أَيْ يَذْكُرَ إمَّا بِنَصٍّ أَوْ ظَاهِرٍ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى مَا صَحَّحَهُ) أَيْ رَجَّحَهُ.

قَوْلُ الشَّارِحِ: (حَسْبَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ) صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَفَاءً حَسْبَمَا إلَخْ. وَقولَ الشَّارِحُ: (فِي الْمَوَاضِعِ الآتِيَةِ) أَيْ الَّتِي اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الأكْثَرَ عَلَى خِلافِ مَا رَجَّحَهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (كِبَرٌ) أَيْ مَانِعٌ مِنْ حِفْظِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعَصْرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ (إلا بَعْضَ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ الأقَلُّ الْمُقَابِلُ لِلأكْثَرِ، وَضَمِيرُ مِنْهُمْ لأهْلِ الْعَصْرِ لا لِلأكْثَرِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِأَنْ لا يَفُوتَ إلَخْ) الْبَاءُ لِلْمُلابَسَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ الزِّيَادَةِ) أَيْ مِنْ كَوْنِهِ زَائِدًا.

pكنـزi

(مَعَ مَا) أَيْ مَصْحُوبًا ذَلِكَ الْمُخْتَصَرُ بِمَا (أَضُمُّهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي أَثْنَائِهِ، وَبِذَلِكَ قَرُبَ مِنْ ثَلاثَةِ أَرْبَاعِ أَصْلِهِ كَمَا قِيلَ (مِنْ النَّفَائِسِ الْمُسْتَجَادَاتِ) أَيْ الْمُسْتَحْسَنَاتِ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (إنْ شَاءَ اللَّهُ) مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: اخْتِصَارَهُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي أَثْنَائِهِ) بَيَانٌ لِلضَّمِّ الْمُوهِمِ كَوْنَهُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ سَابِقٍ أَوْ لاحِقٍ وَفِي إطْلاقِ الضَّمِّ عَلَى نَحْوِ الإبْدَالِ تَسَامُحٌ. قَوْلُهُ: (قَرُبَ مِنْ ثَلاثَةِ أَرْبَاعِ أَصْلِهِ) فَهُوَ أَقَلُّ مِنْهَا كَمَا قِيلَ، وَالْمُشَاهَدُ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ: (التَّنْبِيهُ) هُوَ لُغَةً الإيقَاظُ مِنْ النُّبْهِ بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الْيَقَظَةِ أَوْ الْفِطْنَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَفِيهِ إطْلاقُ الْمَصْدَرِ عَلَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ الْمُنَبَّهِ بِهِ، وَعُرْفًا مَا عُلِمَ مِنْ عِنْوَانِ الْبَحْثِ السَّابِقِ إجْمَالا وَهُوَ لا يُنَاسِبُ هُنَا فَتَأَمَّلْ.

pعميـرةi

قَوْلُ الْمَتْنِ: (مَعَ مَا أَضُمُّهُ إلَيْهِ) فِيهِ دَلالَةٌ عَلَى سَبْقِ الْخُطْبَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) تَنَازَعَ فِيهِ لِيَسْهُلَ وَأَضُمُّهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ مَصْحُوبًا) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي حِفْظِهِ أَيْ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْمُخْتَصَرِ مَصْحُوبًا بِمَا أَضُمُّهُ إلَيْهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي أَثْنَائِهِ) دَفْعٌ لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْمَضْمُومَ مُسْتَقِلٌّ.

pكنـزi

(مِنْهَا التَّنْبِيهُ عَلَى قُيُودٍ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ) بِأَنْ تُذْكَرَ فِيهَا (هِيَ مِنْ الأصْلِ مَحْذُوفَاتٌ) أَيْ مَتْرُوكَاتٌ اكْتِفَاءً بِذِكْرِهَا فِي الْمَبْسُوطَاتِ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (قُيُودٍ) جَمْعُ قَيْدٍ وَهُوَ مَا جِيءَ بِهِ لِجَمْعٍ أَوْ مَنْعٍ أَوْ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ، وَهُوَ الأصْلُ فِيهِ إنْ كَانَ مِنْ الْحَقِيقَةِ وَإِلا فَذِكْرُهُ عَبَثٌ وَمَا خَلا عَنْ بَيَانِ الْوَاقِعِ يَلْزَمُهُ الاحْتِرَازُ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ مَعِيبٌ إنْ كَانَ قَيْدًا وَاحِدًا. قَوْلُهُ: (مَتْرُوكَاتٍ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ أَنَّ الْحَذْفَ يَلْزَمُهُ سَبْقُ الْوُجُودِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ اكْتِفَاءً إلَخْ إلَى أَنَّ هَذَا سَائِغٌ عِنْدَ الْمُصَنِّفِينَ فَرَاجِعْهُ.

pعميـرةi

قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْهَا التَّنْبِيهُ) أَيْ الْمُنَبَّهُ بِهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى قُيُودٍ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَوْ مُعَمَّمَةً، وَكَأَنَّهُ أَنَّثَ ضَمِيرَ فِيهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبَعْضَ اكْتَسَبَ تَأْنِيثًا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَوْ لأنَّ مَعْنَاهُ مُؤَنَّثٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (قُيُودٍ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ) أَيْ مُعْتَبَرَةٍ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، وَإِنَّمَا جَمَعَهُ لأنَّ الْبَعْضَ مُتَعَدِّدٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِأَنْ تُذْكَرَ) رَاجِعٌ لِلتَّنْبِيهِ وَالضَّمِيرُ فِي فِيهَا يَعُودُ لِبَعْضِ الْمَسَائِلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ (مَحْذُوفَاتٌ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ هِيَ مِنْ الأصْلِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ مَتْرُوكَاتٌ) الأحْسَنُ أَنْ يَقُولَ يَعْنِي لأنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ مُرَادٌ إذْ الْحَذْفُ يَسْتَدْعِي سَبْقَ وُجُودٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (اكْتِفَاءً بِذِكْرِهَا فِي الْمَبْسُوطَاتِ) أَيْ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ.

pكنـزi

(وَمِنْهَا مَوَاضِعُ يَسِيرَةٌ) نَحْوُ خَمْسِينَ مَوْضِعًا (ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ عَلَى خِلافِ الْمُخْتَارِ فِي الْمَذْهَبِ) الآتِي ذِكْرُهُ فِيهَا مُصَحَّحًا (كَمَا سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) فِي مُخَالَفَتِهَا لَهُ نَظَرًا لِلْمَدَارِكِ (وَاضِحَاتٍ) فَذِكْرُ الْمُخْتَارِ فِيهَا هُوَ الْمُرَادُ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ أَوَّلا كَانَ حَسَنًا (وَمِنْهَا إبْدَالُ مَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِهِ غَرِيبًا) أَيْ غَيْرَ مَأْلُوفِ الاسْتِعْمَالِ (أَوْ مُوهِمًا) أَيْ مُوقِعًا فِي الْوَهْمِ أَيْ الذِّهْنَ (خِلافَ الصَّوَابِ) أَيْ الإتْيَانُ بَدَلَ ذَلِكَ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (ذِكْرُهُ فِيهَا) أَيْ ذِكْرُ الْمُخْتَارِ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ. قَوْلُهُ: (فِي مُخَالَفَتِهَا لَهُ) أَيْ لِلْمُخْتَارِ، وَالْجُمْلَةُ كَالْبَدَلِ مِنْ تَرَاهَا لأنَّ الْمُرَادَ تَرَى خِلافَهَا، فَفِيهِ تَقْدِيرُ مُضَافٍ قَبْلَ الضَّمِيرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْدُ. وَالْمَدَارِكُ الأدِلَّةُ.

pعميـرةi

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمِنْهَا مَوَاضِعُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْهَا التَّنْبِيهُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (الآتِي ذِكْرُهُ إلَخْ) قَيْدٌ مُخَصِّصٍ لِلْمُخْتَارِ يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ مُخْتَارِ الرَّافِعِيِّ، فَإِنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِيهِ عَلَى وَفْقِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (ذِكْرُهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمُخْتَارِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي مُخَالَفَتِهَا لَهُ) أَيْ لِلْمُخْتَارِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (نَظَرًا) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ سَتَرَاهَا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَذِكْرُ الْمُخْتَارِ فِيهَا هُوَ الْمُرَادُ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ الآتِي إلَخْ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ) عَطْفٌ عَلَى ذِكْرُ، فَالْفَاءُ مُقَدَّرَةٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (كَانَ حَسَنًا) لَمْ يَقُلْ كَانَ أَحْسَنَ لأنَّهُ لا حُسْنَ عِنْده فِيمَا وَقَعَ مِنْ التَّعْبِيرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ (غَرِيبًا) حَالٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ مَوْقِعًا فِي الْوَهْمِ) يُرِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَهْمِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الاحْتِمَالَ الرَّاجِحَ وَالْمَرْجُوحَ وَالْمُسَاوِيَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ الذِّهْنَ) الأحْسَنُ الإتْيَانُ بِيَعْنِي، وَالْمُرَادُ بِالذِّهْنِ النَّفْسُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (خِلافَ الصَّوَابِ) أَيْ مُخَالِفَهُ أَيْ فِي اعْتِقَادِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ الإتْيَانَ) تَفْسِيرٌ لِلإبْدَالِ، وَأَخَّرَهُ لِيَرْتَبِطَ بِالْبَدَلِ.

pكنـزi

(بِأَوْضَحَ وَأَخْصَرَ مِنْهُ بِعِبَارَاتٍ جَلِيَّاتٍ) أَيْ ظَاهِرَاتٍ فِي أَدَاءِ الْمُرَادِ، وَأَدْخَلَ الْبَاءَ بَعْدَ لَفْظِ الإبْدَالِ عَلَى الْمَأْتِيِّ بِهِ مُوَافَقَةً لِلاسْتِعْمَالِ الْعُرْفِيِّ وَإِنْ كَانَ خِلافَ الْمَعْرُوفِ لُغَةً مِنْ إدْخَالِهَا عَلَى الْمَتْرُوكِ نَحْوَ: أَبْدَلْت الْجَيِّدَ بِالرَّدِيءِ، أَيْ أَخَذْت الْجَيِّدَ بِالرَّدِيءِ. (وَمِنْهَا بَيَانُ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ وَالطَّرِيقَيْنِ وَالنَّصِّ وَمَرَاتِبِ الْخِلافِ) قُوَّةً وَضَعْفًا فِي الْمَسَائِلِ (فِي جَمِيعِ الْحَالاتِ) بِخِلافِ الْمُحَرَّرِ فَتَارَةً يُبَيِّنُ نَحْوَ أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَأَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَتَارَةً لا يُبَيِّنُ نَحْوَ الأصَحِّ وَالأظْهَرِ (فَحَيْثُ أَقُولُ فِي الأظْهَرِ أَوْ الْمَشْهُورِ فَمِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الأقْوَالِ) لِلشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلافُ) لِقُوَّةِ مُدْرَكِهِ (قُلْت الأظْهَرُ) الْمُشْعِرُ بِظُهُورِ مُقَابِلِهِ (وَإِلا فَالْمَشْهُورُ) الْمُشْعِرُ بِغَرَابَةِ مُقَابِلِهِ لِضَعْفِ مُدْرَكِهِ. (وَحَيْثُ أَقُولُ الأصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ فَمِنْ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الأوْجُهِ) لِلأصْحَابِ يَسْتَخْرِجُونَهَا مِنْ كَلامِ الشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (بِأَوْضَحَ وَأَخْصَرَ) أَيْ بِوَاضِحٍ مُخْتَصَرٍ كَمَا فِي إبْدَالِ "كُنْدُوجٍ" بِوِعَاءٍ فِي السَّرِقَةِ، وَلا يَجُوزُ بِـ"يَشْتَرِطُ" فِي أَوَّلِ الطَّهَارَةِ. فَكُلٌّ مِنْهُمَا رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الْغَرِيبِ وَالْمُوهِمِ، فَلا اعْتِرَاضَ وَلا إيرَادَ. قَوْلُهُ: (ظَاهِرَاتٍ فِي أَدَاءِ الْمُرَادِ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ التَّكْرَارِ، فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ الإبْدَالِ بِمَا ذُكِرَ دَلالَتُهُ عَلَى الْمُرَادِ. قَوْلُهُ: (وَأَدْخَلَ إلَخْ) هُوَ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى الشَّارِحِ مَا فِي لَفْظِ بِغَيْرِهِ، فَقَدْ نَقَلَ شَيْخُ الإسْلامِ أَنَّ إدْخَالَ الْبَاءِ عَلَى الْمَأْخُوذِ فِي حَيِّزِ الإبْدَالِ هُوَ الأفْصَحُ الْمَعْرُوفُ لُغَةً، وَعَكْسَهُ فِي حَيِّزِ التَّبَدُّلِ وَالاسْتِبْدَالِ وَالتَّبْدِيلِ، قَالَ: وَمَحَلُّهُ فِي الْكُلِّ إنْ لَمْ يُذْكَرْ مَعَ الْمَأْخُوذِ وَالْمَتْرُوكِ غَيْرُهُمَا فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بَيَانُ الْقَوْلَيْنِ) أَيْ ذِكْرُ عِبَارَاتٍ يُعْلَمُ مِنْهَا أَنَّ الْخِلافَ أَقْوَالٌ لِلإمَامِ أَوْ أَوْجُهٌ لأصْحَابِهِ أَوْ مُرَكَّبٌ مِنْهُمَا، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدَ عَشَرَ صِيغَةً وَهِيَ: الأظْهَرُ وَالْمَشْهُورُ وَالْقَدِيمُ وَالْجَدِيدُ، وَفِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ، وَالأصَحُّ وَالصَّحِيحُ، وَقِيلَ: وَالنَّصُّ وَالْمَذْهَبُ وَالسِّتَّةُ الأوَلُ لِلأقْوَالِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ السَّادِسَةُ مِنْهَا فِي كَلامِهِ، وَالثَّلاثَةُ بَعْدَهَا لِلأوْجُهِ، وَالْعَاشِرَةُ لِلْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا يَقِينًا، وَالأخِيرَةُ مُحْتَمِلَةٌ لِلثَّلاثَةِ، وَأَلْ فِي الْقَوْلَيْنِ وَاَللَّذَيْنِ بَعْدَهُ لِلْجِنْسِ كَمَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (الْخِلافِ) بِمَعْنَى الْمُخَالِفِ. قَوْلُهُ: (قُوَّةً وَضَعْفًا) تَمْيِيزٌ لِمَرَاتِبَ بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ لأنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهَا فِي الأقْوَالِ وَالأوْجُهِ فَقَطْ، فَإِنْ أَرَادَ بِالْمَرْتَبَةِ الرَّاجِحَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ فِي الْجَمِيعِ لَكِنْ لا يُوَافِقُ كَلامَهُ. قَوْلُهُ: (فِي الْمَسَائِلِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْقَوْلَيْنِ وَمَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (الْحَالاتِ) أَيْ حَالاتِ الْمَسَائِلِ فَهِيَ غَيْرُهَا خِلافًا لِلإسْنَوِيِّ.

قَوْلُهُ: (فَتَارَةً يُبَيِّنُ) أَيْ نَوْعَ الْخِلافِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدَهُ، وَيَلْزَمُهُ بَيَانُ الْمَرْتَبَةِ لأنَّ بَيَانَ النَّوْعِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَبَيَانَ الْمَرْتَبَةِ مِنْ الْمُضَافِ وَمِنْ غَيْرِ الْمُضَافِ، وَالشَّارِحُ لَمْ يَنْظُرْ لِلْمَرْتَبَةِ، وَيَلْزَمُهُ قُصُورٌ فِي كَلامِ الْمُصَنِّفِ مَعَ صَرَاحَتِهِ بِالْمَرْتَبَةِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (فِي الأظْهَرِ) لَوْ أَسْقَطَ الْجَارَّ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ لَكَانَ أَوْلَى.

pعميـرةi

قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِأَوْضَحَ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الأوَّلَ فِيهِ إيضَاحٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِعِبَارَاتٍ جَلِيَّاتٍ) الْبَاءُ إمَّا سَبَبِيَّةٌ أَوْ لِلْمُلابَسَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ ظَاهِرَاتٍ) أَيْ بَيِّنَاتٍ لا مُقَابِلِ النَّصِّ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ إدْخَالِهَا) بَيَانٌ لِلْمَعْرُوفِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (الْقَوْلَيْنِ) أَوْ الأقْوَالِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالْوَجْهَيْنِ، أَيْ أَوْ الأوْجُهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالطَّرِيقَيْنِ، أَيْ أَوْ الطُّرُقِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالنَّصِّ) هُوَ قَوْلٌ مَخْصُوصٌ بِاعْتِبَارِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ قَوْلٍ مُخَرَّجٍ أَوْ وَجْهٍ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَمَرَاتِبِ الْخِلافِ) أَيْ الْمُخَالِفِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي الْمَسَائِلِ) الظَّاهِرُ أَنَّ سَائِرَ مَا مَرَّ تَنَازَعَ فِيهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فِي جَمِيعِ الْحَالاتِ) يَعْنِي الْمَسَائِلَ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا ذَلِكَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَتَارَةً يُبَيِّنُ) أَيْ النَّوْعَ فَقَطْ وَقَوْلُهُ، وَتَارَةً لا يُبَيِّنُ أَيْ النَّوْعَ فَقَطْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلافُ) أَيْ الْمُخَالِفُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (قُلْت إلَخْ) أَيْ فِيمَا أُرِيدُ تَرْجِيحَهُ.

pكنـزi

(فَإِنْ قَوِيَ الْخِلافُ قُلْت الأصَحُّ وَإِلا فَالصَّحِيحُ) وَلَمْ يُعَبِّرْ بِذَلِكَ فِي الأقْوَالِ تَأَدُّبًا مَعَ الإمَامِ الشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَمَا قَالَ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ مُشْعِرٌ بِفَسَادِ مُقَابِلِهِ. (وَحَيْثُ أَقُولُ الْمَذْهَبُ فَمِنْ الطَّرِيقَيْنِ أَوْ الطُّرُقِ) وَهِيَ اخْتِلافُ الأصْحَابِ فِي حِكَايَةِ الْمَذْهَبِ كَأَنْ يَحْكِيَ بَعْضُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ لِمَنْ تَقَدَّمَ، وَيَقْطَعَ بَعْضُهُمْ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ الرَّاجِحُ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَذْهَبِ إمَّا طَرِيقُ الْقَطْعِ أَوْ الْمُوَافِقِ لَهَا مِنْ طَرِيقِ الْخِلافِ أَوْ الْمُخَالِفِ لَهَا كَمَا سَيَظْهَرُ فِي الْمَسَائِلِ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُ الأوَّلُ وَأَنَّهُ الأغْلَبُ مَمْنُوعٌ (وَحَيْثُ أَقُولُ النَّصُّ فَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيَكُونُ هُنَاكَ) أَيْ مُقَابِلُهُ (وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَوْ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ) مِنْ نَصٍّ لَهُ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ لا يُعْمَلُ بِهِ. (وَحَيْثُ أَقُولُ الْجَدِيدُ فَالْقَدِيمُ خِلافُهُ أَوْ الْقَدِيمُ أَوْ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ فَالْجَدِيدُ خِلافُهُ). وَالْقَدِيمُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِالْعِرَاقِ، وَالْجَدِيدُ مَا قَالَهُ بِمِصْرَ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ إلا فِيمَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ كَامْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الأحْمَرِ فِي الْقَدِيمِ كَمَا سَيَأْتِي. (وَحَيْثُ أَقُولُ: وَقِيلَ كَذَا، فَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ، وَالصَّحِيحُ أَوْ الأصَحُّ خِلافُهُ وَحَيْثُ أَقُولُ: وَفِي قَوْلٍ كَذَا فَالرَّاجِحُ خِلافُهُ) وَيَتَبَيَّنُ قُوَّةُ الْخِلافِ وَضَعْفُهُ مِنْ مُدْرَكِهِ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ (لِقُوَّةِ مُدْرَكِهِ) قُوَّةُ الْمُدْرَكِ وَضَعْفُهُ رَاجِعٌ لِلدَّلِيلِ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الإمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ لا نَعْلَمُهُ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ الرَّاجِحُ بِأُمُورٍ كَالنَّصِّ عَلَى أَرْجَحِيَّتِهِ ،فَالْعِلْمُ بِتَأَخُّرِهِ، فَالتَّفْرِيعُ عَلَيْهِ ،فَالنَّصُّ عَلَى فَسَادِ مُقَابِلِهِ ،فَإِفْرَادُهُ فِي مَحَلٍّ أَوْ فِي جَوَابٍ ،فَمُوَافَقَتُهُ لِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مُرَجِّحٌ فَلِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَعْمَلَ بِأَيِّ الْقَوْلَيْنِ شَاءَ، وَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْمَرْجُوحِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لا فِي الإفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ إذَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ مُتَنَاقِضَيْنِ كَحِلٍّ وَحُرْمَةٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ بَقِيَّةِ الأئِمَّةِ الأرْبَعَةِ، وَكَذَا غَيْرُهُمْ مَا لَمْ يَلْزَمْ تَلْفِيقٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ وَاحِدٌ، كَمَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ مَعَ نَجَاسَةٍ كَلْبِيَّةٍ فِي صَلاةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَا لَمْ يَتَّبِعْ الرُّخْصَ بِحَيْثُ تَنْحَلُّ رِبْقَةُ التَّكْلِيفِ مِنْ عُنُقِهِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَثِمَ. قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: وَلا يَفْسُقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَجَازَ تَقْلِيدٌ لِغَيْرِ الأرْبَعَهْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَفِي هَذَا سَعَهْ لا فِي قَضَاءٍ مَعَ إفْتَاءٍ ذُكِرْ هَذَا عَنْ السُّبْكِيّ الإمَامِ الْمُشْتَهِرْ ثُمَّ مَا تَقَدَّمَ فِي الأقْوَالِ يَجْرِي فِي الأوْجُهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (يَسْتَخْرِجُونَهَا) أَيْ غَالِبًا مِنْ قَوَاعِدِ الإمَامِ الشَّافِعِيِّ وَضَوَابِطِهِ، وَقَدْ تَكُونُ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ مُلاحَظَةِ كَلامِهِ. قَوْلُهُ: (كَمَا قَالَ) أَيْ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى. قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ التَّعْبِيرِ. قَوْلُهُ: (مُشْعِرٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ لا أَنَّ مُقَابِلَهُ فَاسِدٌ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِمَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الأصَحِّ أَوْ الصَّحِيحِ أَيُّهُمَا أَقْوَى، فَقِيلَ: الأوَّلُ وَعَلَيْهِ جَرَى شَيْخُنَا لِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ، وَقِيلَ: الثَّانِي لأنَّهُ قَرِيبٌ مِنْ الْمَقْطُوعِ بِهِ، وَعَلَيْهِ جَرَى بَعْضُهُمْ، وَهُوَ أَوَجْهُ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الأظْهَرِ وَالْمَشْهُورِ. قَوْلُهُ: (الْمَذْهَبُ إلَخْ) مِنْهُ يُعْلَمُ كَوْنُ الْخِلافِ طُرُقًا، وَهُوَ الَّذِي الْتَزَمَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَبَقَ ثُمَّ إنْ أُرِيدَ بِمَرْتَبَةِ الْخِلافِ أَرْجَحِيَّةُ الْمَذْكُورِ عَلَى مُقَابِلِهِ فَهِيَ مَعْلُومَةٌ أَيْضًا كَمَا مَرَّ، وَسَيُشِيرُ الشَّارِحُ إلَيْهَا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا كَوْنُ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْمَذْهَبِ هُوَ الأظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ أَوْ الأصَحُّ أَوْ الصَّحِيحُ مَثَلا فَهُوَ وَارِدٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْخِلافِ فِي الطُّرُقِ أَقْوَالا أَوْ أَوْجُهًا، فَالْمُصَنِّفُ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فِيمَا سَبَقَ فَهُوَ غَيْرُ وَارِدٍ عَلَيْهِ خِلافًا لِمَنْ زَعَمَهُ. قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَحْكِيَ) أَيْ يَجْزِمَ بِثُبُوتِ الْقَوْلَيْنِ مَثَلا، وَيَقْطَعَ بَعْضُهُمْ أَيْ يَجْزِمَ بِثُبُوتِ أَحَدِهِمَا سَوَاءٌ نُفِيَ وُجُودُ الآخَرِ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ نُفِيَ حُكْمُهُ بِحَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ مَا يُفِيدُهُ حُكْمُ الأوَّلِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْحِكَايَةَ أَوْ الْجَزْمَ هُوَ الطَّرِيقُ، فَيَجْزِمَ "عَطْفٌ" عَلَى "يَحْكِيَ"، وَلَوْ قَالَ بِأَنْ يَحْكِيَ لَكَانَ أَوْلَى. وَالاخْتِلافُ فِي كَلامِهِ بِمَعْنَى الْمُخَالِفِ. قَوْلُهُ: (وَمَا قِيلَ) أَيْ عَنْ الإسْنَوِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْمُرَادُ بِالأوَّلِ طَرِيقُ الْقَطْعِ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ ضَمِيرُ، وَ"أَنَّهُ الأغْلَبُ"، ثُمَّ إنْ جَعَلْت هَذِهِ الْجُمْلَةَ حَالا مِنْ الأوَّلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ الأوَّلُ "غَالِبًا" فَهُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ، وَإِلا فَهُمَا قَوْلانِ، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ قِيلَ إنَّ طَرِيقَ الْقَطْعِ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ دَائِمًا. وَقِيلَ إنَّهُ مُرَادُهُ غَالِبًا، وَالْمَنْعُ مُنْصَبٌّ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَذْهَبِ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ مِنْ الْحَاكِيَةِ، وَحِينَئِذٍ فَهَلْ هُوَ الْمُوَافِقُ لِطَرِيقِ الْقَطْعِ أَوْ الْمُخَالِفُ لَهُ؟ قَالَ الإسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ بِالأوَّلِ، وَخَالَفَهُمَا شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لابْنِ حَجَرٍ، وَكَلامُ الشَّارِحِ يُوَافِقُهُ.

قَوْلُهُ: (النَّصُّ) أَيْ هَذِهِ الصِّيغَةُ بِخُصُوصِهَا بِخِلافِ لَفْظِ الْمَنْصُوصِ فَقَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ النَّصِّ وَعَنْ الْقَوْلِ وَعَنْ الْوَجْهِ فَالْمُرَادُ بِهِ حِينَئِذٍ الرَّاجِحُ عِنْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَجْهٌ ضَعِيفٌ) أَيْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مُقَابِلا لِلنَّصِّ سَوَاءٌ عَبَّرَ عَنْهُ بِالأصَحِّ أَوْ الصَّحِيحِ. قَوْلُهُ: (لا يُعْمَلُ بِهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ مُقَابَلَتُهُ لِلنَّصِّ، وَلا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ لِلإمَامِ الشَّافِعِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إلا مُقَيَّدًا. قَوْلُهُ: (أَوْ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ) أَيْ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ عَبَّرَ بِذَلِكَ فَلا يَرِدُ أَنَّهُ لَمْ يُعَبِّرْ بِهِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَالْقَدِيمُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْعِرَاقِ) وَكَذَا بَعْدَهُ قَبْلَ دُخُولِ مِصْرَ، وَلَمْ يَسْتَقِرَّ رَأْيُهُ عَلَيْهِ فِيهَا، قَالَ الإمَامُ: وَلا يَحِلُّ عَدُّهُ مِنْ الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يَدُلَّ لَهُ نَصٌّ أَوْ يُرَجِّحْهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّرْجِيحِ مِنْ الأصْحَابِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ رُوَاتِهِ أَرْبَعَةٌ: الْكَرَابِيسِيُّ وَالزَّعْفَرَانِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ. قَوْلُهُ: (وَالْجَدِيدُ مَا قَالَهُ بِمِصْرَ) أَيْ بَعْدَ دُخُولِهَا أَوْ مَا اسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَيْهِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ قَدْ قَالَهُ بِالْعِرَاقِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ رُوَاتِهِ: أَرْبَعَةٌ الْمُزَنِيّ وَالْبُوَيْطِيُّ وَالرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ وَالرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ، وَمِنْهُمْ حَرْمَلَةُ وَيُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأعْلَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الَّذِي قُبِرَ الشَّافِعِيُّ فِي بَيْتِهِ وَأَبُوهُ. قَوْلُهُ: (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ) فِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْهُمَا وَعِلْمُهُ مِنْ فَحَوَى الْمَقَامِ لا يُغْنِيهِ عَنْ ذِكْرِهِ، وَانْظُرْ هَلْ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ هَذِهِ النَّفِيسَةِ دَاخِلٌ تَحْتَ أَوَّلِهَا مِنْ بَيَانِ الْقَوْلَيْنِ إلَخْ؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ، وَتَأْخِيرُ هَذَا عَنْ النَّصِّ لا يُنَافِيهِ لاخْتِلافِ نَوْعِهِ لأنَّ مَا قَبْلَ النَّصِّ فِي ذِكْرِ الرَّاجِحِ وَمَا بَعْدَهُ فِي ذِكْرِ الْمَرْجُوحِ، فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالصَّحِيحُ أَوْ الأصَحُّ) لَمْ يَقُلْ: فَالرَّاجِحُ خِلافُهُ، كَاَلَّذِي بَعْدَهُ لِعِلْمِ الرَّاجِحِيَّةِ فِي مُقَابِلِهِ مِنْ لَفْظٍ ضَعِيفٍ فِيهِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ إلا مَعْرِفَةَ أَنَّهُ صَحِيحٌ أَوْ أَصَحُّ، وَلِمَا عُلِمَ أَنَّ مُقَابِلَ مَا بَعْدَهُ أَقْوَالٌ، وَلَمْ تُعْلَمْ الرَّاجِحِيَّةُ نَصَّ عَلَيْهَا فَقَدْ نَصَّ فِي كُلٍّ عَلَى مَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْ الآخَرِ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (وَيِتَبْيِينِ قُوَّةُ الْخِلافِ وَضَعْفِهِ) أَيْ فِي الْمُقَابِلِ لِلْوَجْهِ وَالْمُقَابِلِ لِلْقَوْلِ، وَقِيلَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ: الْمَذْهَبُ إلَخْ.

pعميـرةi

قَوْلُ الْمَتْنِ (فَإِنْ قَوِيَ الْخِلافُ إلَخْ) لَمْ يَزِدْ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللَّهُ نَظِيرَ مَا سَلَفَ إحَالَةً عَلَى مَا سَلَفَ. قَوْلُ الشَّارِحِ (فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ بِذَلِكَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (كَأَنْ يَحْكِيَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ مُسَمَّى الطَّرِيقَةِ نَفْسُ الْحِكَايَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَقَدْ جَعَلَهَا الشَّارِحُ اسْمًا لِلاخْتِلافِ اللازِمِ لِحِكَايَةِ الأصْحَابِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِمَنْ تَقَدَّمَ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ وَجْهَيْنِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَإِنَّهُ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ لِلْمُرَادِ، وَقَوْلُهُ: مَمْنُوعٌ مَنْعُ إرَادَتِهِ وَاضِحٌ، وَأَمَّا مَنْعُ أَغْلَبِيَّتِهِ فَمُقْتَضَاهُ إمَّا التَّسَاوِي وَهُوَ بَعِيدٌ وَإِمَّا أَغْلَبِيَّةُ الْمُوَافِقِ وَالْمُخَالِفِ، فَإِنْ أُرِيدَ أَحَدُهُمَا عَلَى التَّعْيِينِ فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ مَجْمُوعُهُمَا فَرُبَّمَا يَسْلَمُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لا يُعْمَلُ بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لا يُعْمَلُ بِهِ) أَيْ غَالِبًا، وَيَجُوزُ نِسْبَتُهُ لِلإمَامِ.

 قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالْجَدِيدُ مَا قَالَهُ بِمِصْرَ) أَيْ إحْدَاثًا وَاسْتِقْرَارًا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَالرَّاجِحُ خِلافُهُ) قِيَاسُ مَا سَلَفَ أَنْ يَقُولَ: فَالأظْهَرُ أَوْ الْمَشْهُورُ خِلافُهُ.

pكنـزi

(وَمِنْهَا مَسَائِلُ نَفِيسَةٌ أَضُمُّهَا إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُخْتَصَرِ فِي مَظَانِّهَا. (يَنْبَغِي أَنْ لا يُخْلَى الْكِتَابُ) أَيْ الْمُخْتَصَرُ وَمَا يُضَمُّ إلَيْهِ (مِنْهَا) صَرَّحَ بِوَصْفِهَا الشَّامِلِ لَهُ مَا تَقَدَّمَ، وَزَادَ عَلَيْهِ إظْهَارًا لِلْعُذْرِ فِي زِيَادَتِهَا فَإِنَّهَا عَارِيَّةٌ عَنْ التَّنْكِيتِ بِخِلافِ مَا قَبْلَهَا (وَأَقُولُ فِي أَوَّلِهَا قُلْت وَفِي آخِرِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِتَتَمَيَّزَ عَنْ مَسَائِلِ الْمُحَرَّرِ، وَقَدْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي اسْتِدْرَاكِ التَّصْحِيحِ عَلَيْهِ، وَقَدْ زَادَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ كَقَوْلِهِ فِي فَصْلِ الْخَلاءِ وَلا يَتَكَلَّمُ (وَمَا وَجَدْته) أَيُّهَا النَّاظِرُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ (مِنْ زِيَادَةِ لَفْظَةٍ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا فِي الْمُحَرَّرِ فَاعْتَمِدْهَا فَلا بُدَّ مِنْهَا) كَزِيَادَةِ كَثِيرٍ وَفِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ فِي قَوْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ إلا أَنْ يَكُونَ بِجُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ أَوْ الشَّيْنُ الْفَاحِشُ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ. (وَكَذَا مَا وَجَدْته مِنْ الأذْكَارِ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ فَاعْتَمِدْهُ فَإِنِّي حَقَّقْته مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ) فِي نَقْلِهِ لاعْتِنَاءِ أَهْلِهِ بِلَفْظِهِ بِخِلافِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ يَعْتَنُونَ غَالِبًا بِمَعْنَاهُ، (وَقَدْ أُقَدِّمُ بَعْضَ مَسَائِلِ الْفَصْلِ لِمُنَاسِبَةٍ أَوْ اخْتِصَارٍ وَرُبَّمَا قَدَّمْت فَصْلا لِلْمُنَاسِبَةِ) كَتَقْدِيمِ فَصْلِ التَّخْيِيرِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى فَصْلِ الْفَوَاتِ وَالإحْصَارِ (وَأَرْجُو إنْ تَمَّ هَذَا الْمُخْتَصَرُ) وَقَدْ تَمَّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْحِ لِلْمُحَرَّرِ فَإِنِّي لا أَحْذِفُ) أَيْ أُسْقِطُ (مِنْهُ شَيْئًا مِنْ الأحْكَامِ أَصْلا وَلا مِنْ الْخِلافِ وَلَوْ كَانَ وَاهِيًا) أَيْ ضَعِيفًا جِدًّا مَجَازًا عَنْ السَّاقِطِ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (يَنْبَغِي) أَيْ يُطْلَبُ طَلَبًا مُؤَكَّدًا. قَوْلُهُ: (وَمَا يُضَمُّ إلَيْهِ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لَهَا لأنَّ الْكِتَابَ هُنَا اسْمٌ لِلْمِنْهَاجِ كُلِّهِ، وَهِيَ مِنْ جُمْلَتِهِ. قَوْلُهُ: (بِوَصْفِهَا) وَهُوَ النَّفَاسَةُ الشَّامِلُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ مِنْ النَّفَائِسِ، وَزَادَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: يَنْبَغِي إلَى آخِرِهِ. قَوْلُهُ: (إظْهَارًا) عِلَّةٌ لِصَرَّحَ وَزَادَ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا) عِلَّةٌ لِلْعُذْرِ، وَالْفَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ، أَيْ وَاحْتَاجَتْ لِلْعُذْرِ بِسَبَبٍ أَوْ لأجْلِ أَنَّهَا عَارِيَّةٌ عَنْ التَّنْكِيتِ، أَيْ الاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُحَرَّرِ. قَوْلُهُ: (فِي أَوَّلِهَا) أَيْ عِنْدَهُ أَوْ عُرْفًا وَفِي آخِرِهَا عَقِبَهُ أَوْ عُرْفًا. قَوْلُهُ: (وَقَدْ قَالَ إلَخْ) كَلامُ الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَى الأغْلَبِ فِي مَفْهُومِهِ وَمَنْطُوقِهِ، وَدَفْعٌ لِتَوَهُّمِ عُمُومِهِمَا.

قَوْلُهُ: (وَمَا وَجَدْته) تَنْبِيهٌ عَلَى دَفْعِ مَا عَسَاهُ أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ سَهْوٍ أَوْ سَبْقِ قَلَمٍ مِنْ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ: (فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ) عُدُولُهُ عَنْ الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ يَرْشُدُ إلَى أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَأْخُوذِ مِنْ كَلامِ الْمُحَرَّرِ، وَهُوَ صَرِيحُ كَلامِ الْمُصَنِّفِ، وَالأنْسَبُ الأعَمُّ لِعُمُومِ مَا بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ رَاجِعًا لِمَا قَبْلَ الأذْكَارِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَنَحْوِهَا) ضَمِيرُهَا عَائِدٌ عَلَى الزِّيَادَةِ فَيُرَادُ بِهِ الْمُبَدَّلُ وَالْمُغَيَّرُ أَوْ عَلَى اللَّفْظَةِ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْحَرْفُ فَنَحْوُهَا مَا زَادَ عَلَيْهِ أَوْ الْكَلِمَةُ فَنَحْوُهَا، يَشْمَلُ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا وَالنَّقْصَ عَنْهَا، وَيَشْمَلُ نَحْوَ الإبْدَالِ بِتَجَوُّزٍ لَكِنْ ضَمِيرُ فَاعْتَمِدْهَا الْعَائِدُ لِلزِّيَادَةِ يُرْشِدُ إلَى عَوْدِ الضَّمِيرِ فِي نَحْوِهَا إلَى اللَّفْظَةِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فَلا بُدَّ) أَيْ لا فِرَاقَ وَلا مَحِيدَ عَنْهَا، أَيْ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَمِدًا كَمَا فِي زِيَادَةِ كَثِيرٍ الْمَذْكُورَةِ. قَوْلُهُ: (وَمَا وَجَدْته) أَيْ فِي الْمُخْتَصَرِ أَوْ الْكِتَابِ، وَتَسْمِيَتُهُ بِالْمِنْهَاجِ الَّذِي هُوَ الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ، قِيلَ: لَمْ تَرِدْ عَنْ الْمُصَنِّفِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ بَعْضِ تَلامِذَتِهِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِيهِ، وَقِيلَ وُجِدَتْ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَامِشِ بَعْضِ نُسَخِهِ، وَلَعَلَّهُ الأقْرَبُ كَمَا قَالَهُ أَشْيَاخُنَا الَّذِي هُوَ الْمِنْهَاجُ بِدَلِيلِ ذِكْرِ غَيْرِ الْمُحَرَّرِ هُنَا. قَوْلُهُ: (فَاعْتَمِدْهُ) تَأْكِيدٌ لِلتَّشْبِيهِ قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (لِمُنَاسِبَةٍ أَوْ اخْتِصَارٍ) هِيَ مَانِعَةُ خُلُوٍّ إذْ لا يَلْزَمُ مِنْ أَحَدِهِمَا الآخَرُ. قَوْلُهُ: (لِلْمُنَاسِبَةِ) وَسَكَتَ عَنْ الاخْتِصَارِ هُنَا لِعَدَمِ صِحَّتِهِ فِيهِ. قَوْلُهُ: (وَأَرْجُو) هُوَ دَلِيلُ الْجَوَابِ لِئَلا يَتَأَخَّرَ الرَّجَاءُ عَنْ التَّمَامِ، وَسَيَأْتِي ما فِي الإشَارَةِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى الشَّرْحِ) لاشْتِمَالِهِ عَلَى بَيَانِ دَقَائِقِهِ وَخَفِيِّ أَلْفَاظِهِ وَمُهْمَلِ خِلافِهِ وَمَرْتَبَتِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ قَيْدٍ أَوْ شَرْطٍ، وَمَا غَلِطَ فِيهِ وَمَا أَبْدَلَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ شَرْحًا حَقِيقَةً لِكَوْنِهِ خَالِيًا عَنْ الدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ وَنَحْوِهِمَا. قَوْلُهُ: (فَإِنِّي إلَخْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ وَاضِحٌ لِقَوْلِهِ مَعَ مَا أَشَرْت إلَخْ. قَوْلُهُ: (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُحَرَّرِ أَوْ مِنْ الْمُخْتَصَرِ مِنْهُ. قَوْلُهُ: (أَصْلا) أَيْ شَيْئًا أَصْلا بِمَعْنَى مَقْصُودٍ أَوْ مِنْ الأصُولِ أَوْ شَيْئًا أَبَدًا فَهُوَ مِنْ تَأْبِيدِ النَّفْيِ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ) أَيْ الْخِلافُ بِمَعْنَى الْمُخَالِفِ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ.

pعميـرةi

قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي مَظَانِّهَا) أَيْ مَحَالِّهَا الَّتِي تُظَنُّ تِلْكَ الْمَسَائِلُ فِيهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُفْرَدَهُ مَظِنَّةٌ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (يَنْبَغِي) أَيْ يُطْلَبُ وَيَحْسُنُ شَرْعًا تَرْكُ خُلُوِّهِ مِنْهَا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (إظْهَارًا لِلْعُذْرِ) أَيْ لأنَّ الزِّيَادَةَ تُنَافِي الاخْتِصَارَ، وَهُوَ عِلَّةٌ لِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ: صَرَّحَ بِوَصْفِهَا، وَقَوْلِهِ: وَزَادَ عَلَيْهِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَقُولُ فِي أَوَّلِهَا قُلْت إلَخْ) الْمُرَادُ بِالأوَّلِ وَالآخِرِ مَعْنَاهُمَا الْعُرْفِيُّ فَيَصْدُقُ بِمَا اتَّصَلَ بِالأوَّلِ وَالآخِرِ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَقَوْلُهُ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، كَأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّبَرِّي مِنْ دَعْوَى الأعْلَمِيَّةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِتَتَمَيَّزَ إلَخْ) أَيْ مَعَ التَّبَرِّي مِنْ دَعْوَى الأعْلَمِيَّةِ([54]). قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَقَدْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ) قَدْ هُنَا لِلتَّقْلِيلِ، وَكَذَا قَدْ الآتِيَةُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَقَدْ زَادَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ) لَكِنْ هَذَا النَّوْعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَلِيلِ مِثْلُ اللَّفْظَةِ وَاللَّفْظَتَيْنِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ) الأحْسَنُ فِي هَذَا الْكِتَابِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ زِيَادَةِ لَفْظَةٍ وَقَوْلُهُ بَعْدَهَا: فَاعْتَمِدْهَا) أَيْ الزِّيَادَةَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (كَثِيرٍ) رَاجِعٌ لِلَفْظَةِ، وَقَوْلُهُ: وَفِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ رَاجِعٌ لِنَحْوِ اللَّفْظَةِ، وَقَوْلُهُ: فِي قَوْلِهِ أَيْ النَّوَوِيِّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَكَذَا مَا وَجَدْته) كَذَا خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَمَا مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَاعْتَمِدْهُ) جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي نَقْلِهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُ: لاعْتِنَاءِ أَهْلِهِ، عِلَّةٌ لِكَوْنِهَا مُعْتَمَدَةً. قَوْلُ الْمَتْنِ: (إنْ تَمَّ) جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ أَرْجُو وَتَفْسِيرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُعَلَّقَ هُوَ الرَّجَاءُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَرْجُوُّ كَمَا لا يَخْفَى.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ الأَحْكَامِ) " مِنْ " بَيَانِيَّةٌ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَصْلا) أَيْ أُؤَصِّلُ هَذَا النَّفْيَ الْعَامَّ أَصْلا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَوْ كَانَ) أَيْ الْخِلافُ بِمَعْنَى الْمُخَالِفِ، فَفِيهِ اسْتِخْدَامٌ.

pكنـزi

(مَعَ مَا) أَيْ آتِي بِجَمِيعِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مَصْحُوبًا بِمَا (أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ النَّفَائِسِ) الْمُتَقَدِّمَةِ (وَقَدْ شَرَعْتُ) مَعَ الشُّرُوعِ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ (فِي جَمْعِ جُزْءٍ لَطِيفٍ عَلَى صُورَةِ الشَّرْحِ لِدَقَائِقَ هَذَا الْمُخْتَصَرِ) مِنْ حَيْثُ الاخْتِصَارُ (وَمَقْصُودِي بِهِ التَّنْبِيهُ عَلَى الْحِكْمَةِ فِي الْعُدُولِ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ وَفِي إلْحَاقِ قَيْدٍ أَوْ حَرْفٍ) فِي الْكَلامِ (أَوْ شَرْطٍ لِلْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِمَّا بَيَّنَهُ.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (آتِي) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ. قَوْلُهُ: (بِجَمِيعِ) هُوَ بِمَعْنَى لا أَحْذِفُ شَيْئًا وَمَا بَيَانٌ لِضَمِيرِ مِنْهُ وَمَصْحُوبًا حَالٌ مِنْهَا. قَوْلُهُ: (مَعَ الشُّرُوعِ) أَيْ عَقِبَهُ. قَوْلُهُ: (لِدَقَائِقَ) وَقَدْ سُمِّيَ ذَلِكَ الْجَزْمُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ وَهِيَ جَمْعُ دَقِيقَةٍ، وَأَصْلُهَا مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ خَفَايَا الْعِلْمِ بِدِقَّةِ الْفَهْمِ. قَوْلُهُ: (مِنْ حَيْثُ الاخْتِصَارُ) أَيْ مِنْ أَجْلِ اخْتِصَارِهِ، أَيْ بَيَانِ سَبَبِهِ زِيَادَةً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ كِبَرِ حَجْمِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَرْفٍ) بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْكَلِمَةِ، وَلَوْ قَدَّمَهُ عَلَى قَيْدٍ لَكَانَ أَوْلَى لِيَتَعَلَّقَ الْجَارُّ فِي الْمَسْأَلَةِ بِهِ وَبِالشَّرْطِ. قَوْلُهُ: (مِمَّا بَيَّنَهُ) أَيْ فِي الْجُزْءِ اللَّطِيفِ الْمَذْكُورِ فَنَحْوِ مَجْرُورٌ عَطْفٌ عَلَى إلْحَاقِ أَوْ عَلَى قَيْدٍ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، لَكِنْ الثَّانِي بَعِيدٌ جِدًّا بَلْ خَالٍ عَنْ الْمَعْنَى، وَالأقْرَبُ الأوَّلُ فَتَأَمَّلْ.

pعميـرةi

قَوْلُ الشَّارِحِ: (أَيْ آتِي إلَخْ) يُرَدُّ بِهِ أَنَّ عَامِلَ الظَّرْفِ مَأْخُوذٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنِّي لا أَحْذِفُ إلَخْ. قَوْلُ الْمَتْنِ (النَّفَائِسِ) يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ بِمَا فِيهِ تَنْكِيتٌ إذْ الزَّائِدُ الْمَحْضُ لا دَخْلَ لَهُ فِي شَرْحِ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مَعَ الشُّرُوعِ) هِيَ بِمَعْنَى الْبَعْدِيَّةِ لأنَّ مَعِيَّةَ لَفْظِ الآخَرِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ تَكُونُ بِمَعْنَى الْبَعْدِيَّةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (مِنْ حَيْثُ الاخْتِصَارُ) أَيْ الْكَائِنَةُ مِنْ حَيْثُ الاخْتِصَارُ، وَقَوْلُهُ أَيْضًا مِنْ حَيْثُ الاخْتِصَارُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِدَقَائِقِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَلَى الْحِكْمَةِ) هِيَ السَّبَبُ الْبَاعِثُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي الْكَلامِ) قَدَّرَ ذَلِكَ لأنَّ الْحَرْفَ لا يَحْسُنُ تَعَلُّقُهُ بِالْمَسْأَلَةِ.

pكنـزi

(وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي لا بُدَّ مِنْهَا) وَمِنْهُ مَا لَيْسَ بِضَرُورِيٍّ، وَلَكِنَّهُ حَسَنٌ كَمَا قَالَهُ فِي زِيَادَةِ لَفْظَةِ الطَّلاقِ فِي قَوْلِهِ فِي الْحَيْضِ: فَإِذَا انْقَطَعَ لَمْ يَحِلَّ قَبْلَ الْغُسْلِ غَيْرُ الصَّوْمِ وَالطَّلاقِ، فَإِنَّ الطَّلاقَ لَمْ يُذْكَرْ قَبْلُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ. (وَعَلَى اللَّهِ الْكَرِيمِ اعْتِمَادِي) فِي تَمَامِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ بِأَنْ يُقَدِّرَنِي عَلَى إتْمَامِهِ كَمَا أَقْدَرَنِي عَلَى ابْتِدَائِهِ بِمَا تَقَدَّمَ عَلَى وَضْعِ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ لا يَرُدُّ مَنْ سَأَلَهُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ، (وَإِلَيْهِ تَفْوِيضِي وَاسْتِنَادِي) فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لا يَخِيبُ مَنْ قَصَدَهُ وَاسْتَنَدَ إلَيْهِ، ثُمَّ قَدَّرَ وُقُوعَ الْمَطْلُوبِ بِرَجَاءِ الإجَابَةِ فَقَالَ: (وَأَسْأَلُهُ النَّفْعَ بِهِ) أَيْ بِالْمُخْتَصَرِ فِي الآخِرَةِ (لِي) بِتَأْلِيفِهِ (وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ بَاقِيهِمْ بِأَنْ يُلْهِمَهُمْ الاعْتِنَاءَ بِهِ، بَعْضُهُمْ بِالاشْتِغَالِ بِهِ كَكِتَابَةٍ وَقِرَاءَةٍ وَتَفَهُّمٍ وَشَرْحٍ، وَبَعْضُهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالإعَانَةِ عَلَيْهِ بِوَقْفٍ أَوْ نَقْلٍ إلَى الْبِلادِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَنَفْعُهُمْ يَسْتَتْبِعُ نَفْعَهُ أَيْضًا لأنَّهُ سَبَبٌ فِيهِ (وَرِضْوَانَهُ عَنِّي وَعَنْ أَحِبَّائِي) بِالتَّشْدِيدِ وَالْهَمْزِ جَمْعُ حَبِيبٍ أَيْ مَنْ أُحِبُّهُمْ (وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ) مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ تَكَرَّرَ بِهِ الدُّعَاءُ لِذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي مِنْهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

pقليوبـيi

قَوْلُهُ: (وَأَكْثَرُ ذَلِكَ) أَيْ الَّذِي فِي الْجُزْءِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (الَّتِي لا بُدَّ مِنْهَا) حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ أَوْ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ. قَوْلُهُ: (وَمِنْهُ إلَخْ) هُوَ بَعْضُ مَفْهُومِ الأكْثَرِ.

قَوْلُهُ: (اعْتِمَادِي) هُوَ بِمَعْنَى اسْتِنَادِي لَكِنْ مَعَ مُبَالَغَةٍ فِي هَذَا لأنَّهُ شِدَّةُ الاسْتِنَادِ وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْمَعُونَةُ وَالْقُوَّةُ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِأَنْ يُقَدِّرَنِي إلَخْ. قَوْلُهُ: (فِي تمَامِ) قَيَّدَ بِهِ مَعَ احْتِمَالِ الْعُمُومِ كَاَلَّذِي بَعْدَهُ لِيُنَاسِبَ مَا رَجَاهُ الْمُصَنِّفُ سَابِقًا بِقَوْلِهِ: إنْ تَمَّ هَذَا الْمُخْتَصَرُ، لَكِنْ الْمُرَادُ بِالْمُخْتَصَرِ السَّابِقِ مَا كَانَ مِنْ كَلامِ الْمُحَرَّرِ، وَهُنَا جَمِيعُ الْمِنْهَاجِ. قَوْلُهُ: (عَلَى إتْمَامِهِ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمَامِ الْمَذْكُورِ فِي كَلامِهِ الإتْمَامُ، وَلَمْ يُعَبِّرْ بِهِ ابْتِدَاءً لأجْلِ مُرَاعَاةِ كَلامِ الْمُصَنِّفِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ نِسْبَةَ التَّمَامِ إلَى الْمُخْتَصَرِ مَجَازِيَّةٌ. قَوْلُهُ: (بِمَا تَقَدَّمَ عَلَى وَضْعِ الْخُطْبَةِ) هَذَا أَخَذَهُ الشَّارِحُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ تَمَّ هَذَا الْمُخْتَصَرُ، وَمِنْ ذِكْرِ الشُّرُوعِ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ شَرَعْت إلَخْ لأنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ مِنْ الْخُطْبَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُفِيدُ أَنَّ بَعْضَ الْمِنْهَاجِ سَابِقٌ عَلَيْهَا نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إنْ تَمَّ وُجُودُهُ تَامًّا وَبِقَوْلِهِ: شَرَعْت عَزَمْت عَلَى الشُّرُوعِ فَالْخُطْبَةُ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى جَمِيعِهِ كَمَا هُوَ الأصْلُ فِيهَا، وَسَيَأْتِي هَذَا فِي الشَّارِحِ([55]) فَفِيهِ انْتِقَادٌ عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا قَالُوهُ فِي أَسْمَاءِ الإشَارَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الْخُطَبِ مِنْ أَنَّ الْمُشِيرَ بِهَا اسْتَحْضَرَ مَا يُرِيدُ تَأْلِيفَهُ فِي ذِهْنِهِ اسْتِحْضَارًا تَامًّا كَأَنَّهُ مَحْسُوسٌ عِنْدَهُ، وَأَشَارَ إلَيْهِ، وَأَيْضًا ذِكْرُ الإتْمَامِ يُطْلَقُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْخُطْبَةِ وَمَا بَعْدَهَا إلَى آخِرِ الْكِتَابِ، وَأَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنَّ وَضْعَ الْجُزْءِ الْمَذْكُورِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخُطْبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ لاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُصَنّفَ سَبَرَ عِبَارَةَ الْمُحَرّرِ، وَكَتَبَ عَلَيْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، ثُمَّ لَمَّا شَرَعَ فِي الْمِنْهَاجِ نَسَجَهُ عَلَى مِنْوَالِ مَا كَتَبَ فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لا يُرَدُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ إنْشَاءُ الدُّعَاءِ، وَكَذَا الْجُمْلَةُ بَعْدَهَا. قَوْلُهُ: (تَفْوِيضِي) التَّفْوِيضُ رَدُّ الأمْرِ إلَى الْغَيْرِ مَعَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَأَعَمُّ مِنْهُ التَّوْكِيلُ. قَوْلُهُ: (فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ) عَمَّمَهُ لِعُمُومِ الاسْتِنَادِ عَلَى الاعْتِمَادِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (قَدَّرَ وُقُوعَ الْمَطْلُوبِ إلَخْ) أَيْ قَدَّرَ أَنَّ الْكِتَابَ قَدْ تَمَّ فَسَأَلَ النَّفْعَ بِهِ، وَفِيهِ دَفْعُ تَوَهُّمِ تَأْخِيرِ الْخُطْبَةِ الْمُنَافِي لِمَا تَقَدَّمَ فَمُرَادُهُ بِالْمُخْتَصَرِ الْمِنْهَاجُ، وَقَيَّدَ النَّفْعَ بِالآخِرَةِ لأنَّهُ الْمَقْصُودُ. قَوْلُهُ: (بِتَأْلِيفِهِ) وَكَذَا بِتَعْلِيمِهِ وَكِتَابَتِهِ وَمُقَابَلَتِهِ، فَلَوْ عَمَّمَهُ لَكَانَ أَوْلَى إلا أَنْ يُرَادَ بِالْبَاءِ السَّبَبِيَّةُ وَفِيهِ بَحْثٌ، وَحَيْثُ خَصَّصَ هُنَا فَكَانَ الأوْلَى التَّعْمِيمَ فِيمَا بَعْدَهُ بِأَنْ يَجْعَلَ النَّفْعَ فِيهِ عَامًّا لِغَيْرِ التَّأْلِيفِ، وَيَجْعَلَ سَائِرَ بِمَعْنَى الْجَمِيعِ حَتَّى يَشْمَلَ الْمُؤَلِّفَ أَيْضًا، وَكَانَ يَسْتَغْنِي بِذِكْرِهِ عَمَّا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ: وَنَفَعَهُمْ يَسْتَتْبِعُ إلَخْ. قَوْلُهُ: (وَرِضْوَانَهُ) يُطْلَقُ الرِّضَا بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ وَبِمَعْنَى عَدَمِ السَّخَطِ وَبِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَبِمَعْنَى الْمَغْفِرَةِ وَبِمَعْنَى الثَّوَابِ، وَيُرَاعَى كُلُّ مَحَلٍّ بِمَا يَلِيقُ بِهِ. قَوْلُهُ: (جَمْعُ حَبِيبٍ) إمَّا بِمَعْنَى مَحْبُوبٍ بِدَلِيلِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ بَعْدَهُ، أَوْ بِمَعْنَى مُحِبٍّ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ الأنْسَبُ هُنَا، وَلا يُنَافِيهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَكَرُّرِ الدُّعَاءِ لِلْمُصَنِّفِ لأنَّهُ مُحِبٌّ لِنَفْسِهِ أَيْضًا. قَوْلُهُ: (مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ) وَهُوَ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ. قَوْلُهُ: (عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ) وَهُوَ الأحِبَّاءُ، فَهُوَ مِنْ الْعَطْفِ عَلَى الظَّاهِرِ بِقَرِينَةِ إعَادَةِ الْجَارِّ لا عَلَى ضَمِيرِ عَنِّي الَّذِي هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِعَدَمِ إعَادَةِ الْجَارِّ، فَلا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّارِحِ خِلافًا لِمَنْ زَعَمَهُ، وَأَحْكَامُ الإسْلامِ وَالإيمَانِ تُطْلَبُ مِنْ مَحَلِّهَا.

pعميـرةi

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَكْثَرُ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الدَّقَائِقِ النَّاشِئَةِ عَنْ الاخْتِصَارِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (الَّتِي لا بُدَّ مِنْهَا) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (كَمَا قَالَهُ) أَيْ كَاَلَّذِي قَالَهُ، وَفِي التَّرْكِيبِ قَلاقَةٌ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي قَوْلِهِ) أَيْ النَّوَوِيِّ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي تَمَامِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ لِكَوْنِ أَطْرَافِ الْكَلامِ مُتَآخِيَةً فَيَقْوَى الطِّبَاقُ بَيْنَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ التَّعْمِيمُ نَظِيرَ مَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ([56]) وَتَمَامٌ بِمَعْنَى إتْمَامٌ، أَوْ فِي حُصُولِ تَمَامِهِ النَّاشِئِ عَنْ إتْمَامِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (هَذَا الْمُخْتَصَرِ) يَعْنِي الْكِتَابَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِأَنْ يُقَدِّرَنِي) الْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ الْعَرَضُ الْمُقَارِنُ لِلْفِعْلِ لا سَلامَةُ الأسْبَابِ وَالآلاتِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: كَمَا أَقَدَرَنِي عَلَى ابْتِدَائِهِ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ: "وَأَرْجُو إنْ تَمَّ... إلَخْ" إذْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ، وَأَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ: وَقَدْ شَرَعْت فِي جَمْعِ جُزْءٍ إلَخْ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مَعَ الشُّرُوعِ فِي الْمُخْتَصَرِ أَيْ بَعْدَهُ. قَوْلُ الْمَتْنِ (تَفْوِيضِي) هُوَ رَدُّ أُمُورِهِ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَصْدُهُ بِهَا، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لا يَخِيبُ مَنْ قَصَدَهُ، وَاسْتَنَدَ إلَيْهِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ لِمَا سَلَفَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (ثُمَّ قَدَّرَ وُقُوعَ الْمَطْلُوبِ بِرَجَاءِ الإجَابَةِ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ لِقَوْلِهِ قَدَّرَ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (فِي الآخِرَةِ) الأوْلَى التَّعْمِيمُ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (تَكَرَّرَ بِهِ الدُّعَاءُ لِذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي مِنْهُ الْمُصَنِّفُ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى جُمْلَةِ مَا سَبَقَ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الْعَطْفَ اللُّغَوِيَّ.

([1]) صحيح البخاري: ح(71) ومسلم (1037).

([2]) العلامة الذهبي: "تذكرة الحفاظ" (4/1470).

([3]) السبكي: "طبقات الشافعية" (4/472).

([4]) الذهبي: "تذكرة الحفاظ" (4/1472).

([5]) السابق: (4/1471).

([6]) السابق: نفسه.

([7]) طبقات الشافعية: (4/471).

([8]) تذكرة الحفاظ: (4/1473).

([9]) تذكرة الحفاظ: (4/1472).

([10]) السابق.

([11]) ترجمته في: الحجوي الثعالبي، "الفكر السامي" (2/351)، والزركلي: "الأعلام" (5/333).

([12]) ابن العماد الحنبلي: "شذرات الذهب" (4/316)، الزركلي: "الأعلام" (1/103).

([13]) انظر ترجمته في: إسماعيل باشا البغدادي: "هدية العارفين" (6/161)، والزركلي: "الأعلام" (1/92).

([14]) سيأتي ذكر هذه الحواشي والشروح التي يعنيها والإشارة إليها في مواضعها.

([15]) ومن ثم فأصحاب جمع الجمع وليست جمعًا للمفرد.

([16]) نحو هنا يصح فيها النصب بالعطف على الظرفية (ليلة) أو الرفع بالعطف على الفاعل (من).

([17]) هو زين الدين أبو الفضل عبدالرحيم بن الحسين بن عبدالرحمن الكردي الرازياني المصري الشافعي. الإمام الأوحد العلامة الحجة، الحبر الناقد عمدة الأنام حافظ الإسلام فريد دهره ووحيد عصره ولد بالقاهرة سنة 725ﻫ وبها توفي سنة 806ﻫ. له من المصنفات "الألفية" في مصطلح الحديث، و"التحرير" في أصول الفقه، و"تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد"، و"التقييد والإيضاح"، و"شرح الترمذي"، وغيرها. [ذيل تذكرة الحفاظ (5/220)، والزركلي: "الأعلام" (3/344)].

([18]) هو أحد الذين تلقوا على الإمام النووي وحملوا عنه إلى من بعدهم.باشر مشيخة دار الحديث النووية عوضًا عن شرف الدين المقدسي المتوفي سنة 694ﻫ.  توفي في خلافة المستكفي المتوفي 740ﻫ.[انظر: الذهبي: "تذكرة الحفاظ" (4/1471)، وابن كثير: "البداية والنهاية" (9/269، 284)].

([19]) سبق ترجمته في مقدمة تحقيق الكتاب.

([20]) استعارة بالكناية لأنه وصف الشرح بأنه يُحل ورشح الاستعارة بأنه يبين ويتمم ونحوه مما هو من صفات العقلاء.

([21]) وهو بفتح الميم مصدر ميمي.

([22]) احترس بقوله (لا لفائدة) عن الإطناب الذي هو زيادة لفائدة.

([23]) كذا بالأصل ولم يتبين لي وجهه.

([24]) هذا سهو منه، والصواب عدم (الجبن).

([25]) كذا ضبطناه بالفتح وهو الصواب الذي وجدناه في الأعلام للزركلي بفتح العين والشائع بين عامة الطلاب ضم العين ولا أعرف مصدره، مما يرجح خطأه.

([26]) يقصد بدلا من قوله (مالك لجميع الحمد من الخلق أو مستحق لأن يحمدوه).

([27]) إبراهيم:34.

([28]) وهذا لا ينافي أن يكون لحكمة، فأفعال الله تعالى جميعها لا تخلو من حكمة عظيمة وراءها، ولعله أراد بالعلة ما يعود بالنفع على صاحبه.

([29]) يقصد بالخبر ما هو أعم من الحديث بحيث يطلق على ما روي عن أهل الكتاب ونحو ذلك، وهو أشبه بالمذكور هنا.

([30]) هذا هو الصواب بضم الراء نسبة إلى الرُّوح لا إلى الرَّوح بالفتح.

([31]) هذا هو الصواب بفتح الدال لا بكسرها، قال في اللسان: "ودلّه على الشيء يدُلُّه دلاًّ ودَلالة"، كذا ضبطها بفتح الدّال.

([32]) المقدر بغير تشديد، ويجوز المقدِّر بالتشديد إتباعًا للموفِّق.

([33]) أخرجه البخاري (71)، ومسلم (1037).

([34]) يجوز المقدِّر بالتشديد إتباعًا للموفق كما جعله الشارح تفسيرًا له، ويجوز فيها المقدر بالتخفيف.

([35]) هذا هو الصواب بكسر الخاء كما في اللسان خلافًا للشائع بالضم.

([36]) الصَّبرَ بالنصب على البدلية هي والمعطوفة عليها.

([37]) تعريف الحسن البصري للفقيه يدل على نظرته للفقه بمعناه الأعم والأشمل وهو الفهم لدين الله تعالى، وذلك العلم والفهم الذي يورث الخشية هو العلم والفقه المعتد به، فالفقيه الحق هو من يخشى الله تعالى ويتقيه، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر:28].

([38]) سبق أن جوزنا فيه التشديد وعدمه.

([39]) أخرجه مسلم (868).

([40]) أو لعله أراد الإتيان بصفة تلائم الاستفتاح وما يرجا من مغفرة الذنوب بما ابتغى به وجه الله من العلم النافع.

([41]) وذلك كما قال تعالى عن المنافقين: ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾[النور:47].

([42]) (وبالرحمة) في النسخ التي بين أيدينا (بالرحمة) بدون (واو) وأضفنا الواو ليستقيم الكلام فيكون المعنى (ويجوز أي الدعاء بمغفرة ما عداه وبالرحمة)، أو ويجوز الدعاء للكافر بالرحمة وبصحة البدن...إلخ.

([43]) قوله: (ويجوز طلب الدعاء منه) أي من الكافر، هذا مستغرب لأنه لا فائدة فيه مع قول الله تعالى: ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ﴾[غافر:50]، فضلا عما فيه من مفسدة اعتقاد الكافر أننا نقرّه على كفره.

([44]) الأولى أن يقال إنه ذكر (الغفار) لأن هذا المقام يناسبه الاستفتاح بموجبات المغفرة والرحمة.

([45]) هذا كله يتوقف على صحة الإخبار بذلك.

([46]) هذا غير مسلم لأن الصلاة على النبي r فضيلة وللنفس حظٌّ في إظهارها واكتساب المدح والثناء عليها، فمن ثم يدخلها الرياء.

([47]) قوله لتضمنها معنى الرحمة يمكن تعقبه بأن الرحمة لا تحتاج أن تعدّى بعلى أو غيرها من حروف الجر فتقول "اللهم ارحم فلانًا" ولا تقول ارحم على فلان، إلا إن أريد إنزال الرحمة عليه.

([48]) أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الشيخ الألباني كما في صحيح الجامع (4520).

([49]) وذلك بأن قال: (أحمده أبلغ الحمد).

([50]) أي هو أول من قال: (أما بعد).

([51]) قال الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع" (1931): "موضوع".

([52]) أخرجه الترمذي وصححه الشيخ الألباني كما في "صحيح الجامع" برقم (4213).

([53]) مثل هذا لا يصح، والجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، ومنه ما هو فرض عين يتعين على الجميع ولا يصح الاشتغال عنه بشيء، ومنه ما هو فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين لتتاح الفرصة لإقامة الشرائع وتعلم العلوم التي لا قوام للدين والدنيا إلا بها.

([54]) أي ادعاء كونه أعلم .

([55]) كذا بالأصل.

([56]) الفاتحة: 5.