11 May، 2024 إعجاز الألفاظ المتضادة

إعجاز الألفاظ المتضادة

دراسة في تحقيق معاني الظن في القرآن الكريم

مبحث مختصر من كتاب الإعجاز المعجمي

أ.د عبد الحميد هنداوي

الخلاصة:

من الإعجاز المعجمي في القرآن الكريم توظيف الألفاظ المتضادة المعاني لمعان ومقاصد بلاغية ؛ يظهر وجه إعجازها في سياقاتها .

ومن تلك الألفاظ التي تعد من قبيل الألفاظ المتضادة لفظ الظن ؛ فإنه يأتي دالا على الشك تارة ، أو الرجحان أو اليقين.

وقد التبس على بعضهم وروده في مواضع التعبير عن اليقين  مثل قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)} [البقرة: 45، 46]

وقد أجاب الطبري عن هذه الشبهة قديما ؛"قال أبو جعفر: "إن قال لنا قائل: وكيف أخبر الله جل ثناؤه عمن قد وصفه بالخشوع له بالطاعة، أنه "يظن" أنه ملاقيه، والظن: شك، والشاك في لقاء الله عندك بالله كافر؟

قيل له: إن العرب قد تسمي اليقين "ظنا"، والشك "ظنا"، نظير تسميتهم الظلمة "سدفة"، والضياء "سدفة"، والمغيث "صارخا"، والمستغيث "صارخا"، وما أشبه ذلك من الأسماء التي تسمي بها الشيء وضده."

لكن لا يزال لدى البعض سؤال حجاجي أو سؤال بلاغي ؛ وهو إن كان المراد بالظن هنا اليقين فلم لم يعبر بلفظ اليقين؟

وما الميزة التعبيرية والنكتة البلاغية في التعبير عن اليقين بهذا اللفظ الذي يحتمل الضدين؟

ويحاول البحث أن يكشف عن بلاغة التعبير بالظن في مواضع اليقين في المواضع التي ورد فيها في القرآن الكريم.

ويمهد لذلك بالحديث عن التعريف بالإعجاز المعجمي للقرآن الكريم ، والتعريف بالألفاظ المتضادة وبيان أمثلتها.

ثم يدلف البحث بعد ذلك للإجابة عن مشكلة البحث وهي بلاغة التعبير بالظن في مواضع اليقين في المواضع التي ورد فيها في كتاب الله تعالى.

الهدف:

الكشف عن بلاغة القرآن الكريم وإعجازه البلاغي على جهة العموم ، ثم الكشف عن بلاغة التعبير بالألفاظ المتضادة في كتاب الله تعالى ؛ متخذا من بلاغة التعبير بالظن في مواضع اليقين نموذجا.

الإعجاز المعجمي في لفظ (ظن) في المواضع التالية:

في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)} [البقرة: 45، 46]

قال أبو جعفر: "إن قال لنا قائل: وكيف أخبر الله جل ثناؤه عمن قد وصفه بالخشوع له بالطاعة، أنه "يظن" أنه ملاقيه، والظن: شك، والشاك في لقاء الله عندك بالله كافر؟

قيل له: إن العرب قد تسمي اليقين "ظنا"، والشك "ظنا"، نظير تسميتهم الظلمة "سدفة"، والضياء "سدفة"، والمغيث "صارخا"، والمستغيث "صارخا"، وما أشبه ذلك من الأسماء التي تسمي بها الشيء وضده. ومما يدل على أنه يسمى به اليقين، قول دريد بن الصمة:

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ... سراتهم في الفارسي المسرد ([1])

يعني بذلك: تيقنوا ألفي مدجج تأتيكم...

والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن "الظن" في معنى اليقين أكثر من أن تحصى، وفيما ذكرنا لمن وفق لفهمه كفاية.

ومنه قول الله جل ثناؤه: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا) [الكهف: 53] وبمثل الذي قلنا في ذلك جاء تفسير المفسرين.

861- حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في قوله: (يظنون أنهم ملاقو ربهم) قال: إن الظن ههنا يقين.

862- وحدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفيان، عن جابر، عن مجاهد، قال: كل ظن في القرآن يقين، "إني ظننت"، "وظنوا".

863- حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو داود الحفري، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: كل ظن في القرآن فهو علم.

864- وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) أما "يظنون" فيستيقنون.

865- وحدثني القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) علموا أنهم ملاقو ربهم، هي كقوله: (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) [الحاقة: 20] يقول: علمت.

866- وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) قال: لأنهم لم يعاينوا، فكان ظنهم يقينا. وليس ظنا في شك. وقرأ: (إني ظننت أني ملاق حسابيه)."([2])

قلت: وكذلك في قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة: 249]

فذهب الطبري وغيره من المفسرين إلى أن الظن في مثل تلك المواضع المتعلقة بتصور المؤمنين عن أمور الغيب إنما هو بمعنى اليقين ؛ وذلك لأن الظن من الكلمات المشتركة بالتضاد.

أما الرغب الأصفهاني فقد فصل الكلام في معنى الظن على النحو التالي؛ فقال:

"الظَّنُّ: اسم لما يحصل عن أمارة، ومتى قويت أدّت إلى العلم، ومتى ضعفت جدّا لم يتجاوز حدّ التّوهّم، ومتى قوي أو تصوّر تصوّر القويّ استعمل معه (أنّ) المشدّدة، و (أن) المخفّفة منها. ومتى ضعف استعمل أن المختصّة بالمعدومين من القول والفعل ، فقوله: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ}[البقرة/ 46] ، وكذا: {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ} [البقرة/ 249] ، فمن اليقين، {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ}[القيامة/ 28] ، وقوله: {أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ}[المطففين/ 4] ، وهو نهاية في ذمّهم. ومعناه: ألا يكون منهم ظَنٌّ لذلك تنبيها أنّ أمارات البعث ظاهرة. وقوله: {وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها} [يونس/ 24] ، تنبيها أنهم صاروا في حكم العالمين لفرط طمعهم وأملهم، وقوله: {وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ}[ص/ 24] ، أي: علم، والفتنة هاهنا. كقوله:{وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً} [طه/ 40] ، وقوله: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ}[الأنبياء/ 87] ، فقد قيل: الأولى أن يكون من الظَّنِّ الذي هو التّوهّم، أي: ظَنَّ أن لن نضيّق عليه. وقوله: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ}[القصص/ 39] ، فإنّه استعمل فيه (أنّ) المستعمل مع الظَّنِّ الذي هو للعلم، تنبيها أنهم اعتقدوا ذلك اعتقادهم للشيء المتيقّن وإن لم يكن ذلك متيقنا، وقوله: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ}[آل عمران/ 154] ، أي: يَظُنُّونَ أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلم لم يصدقهم فيما أخبرهم به كما ظَنَّ الجاهليّة، تنبيها أنّ هؤلاء المنافقين هم في حيّز الكفار، وقوله: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ}[الحشر/ 2] ، أي: اعتقدوا اعتقادا كانوا منه في حكم المتيقّنين، وعلى هذا قوله:{وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ}[فصلت/ 22] ، وقوله: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ}[الفتح/ 6] ، هو مفسّر بما بعده، وهو قوله: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ} [الفتح/ 12] ، {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا}[الجاثية/ 32] ، والظَّنُّ في كثير من الأمور مذموم، ولذلك قال تعالى: {وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا}[يونس/ 36] ، {وَإِنَّ الظَّنَ لا يغني من الحق شيئا}[النجم/ 28] ، {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ}[الجن/ 7] ، وقرئ: {وما هو على الغيب بِظَنِينٍ} أي: بمتّهم." ([3])

وخلاصة ما ذهب إليه الراغب أن الظن اسم للتصور الذي يحصل عن أمارة، ومتى قويت أدّت إلى العلم، ومتى ضعفت جدّا لم يتجاوز حدّ التّوهّم، ومتى قوي أو تصوّر تصوّر القويّ استعمل معه (أنّ) المشدّدة، و (أن) المخفّفة منها. ومتى ضعف استعمل أن المختصّة بالمعدومين من القول والفعل.

واستشهد لذلك بالشواهد التي أوردها ، وكلامه في ذلك صحيح ؛ فالظن مجرد تصور لشيء غير مدرك في الواقع بالحس والمعاينة ، وبحسب الأمارات التي تحتف به قد يكون قويا يصل إلى درجة اليقين ، أو ضعيفا يصل إلى درجة الشك ؛ وقد فرق بين ذلك باستعمال الدال على اليقين مقترنا بأن المشددة.

ومع تسليمي بما ذكر الراغب فإني أضيف إليه أن الظن قد ينقسم كذلك بحسب تلك الأمارة التي يعتمد عليها المرء لتصور ما غاب عنه ؛ فقد تكون الأمارة صادقة كأخبار الله تعالى وأخبار رسوله الصحيحة – صلى الله عليه وسلم – وقد تكون الأمارة تقليد الآباء أو أساطير الأولين فيكون التصور المبني عليها كاذبا وباطلا حتى وإن اعتقد صاحبه فيه اليقين.

وأقول بعد حمد الله تعالى: الأصل في الظن أنه (تصور المرء ما لم يعاينه، وقد يعظم تصوره له فيتيقنه تيقن المعاين، ثم لما كان الظن فيما لم يعاين من أمور الغيب فسر كثيرا بمعنى التصور المشكوك فيه في درجة دون اليقين، واستعمل كثيرا بهذا المعنى، والسياق والقرائن المحتفَّة بالكلام تبين المعنى المراد)

قال ابن سيده في المحكم والمحيط الأعظم – تحقيق د/ عبد الحميد هنداوي (10/ 8):"الظَّنُّ شَكٌّ ويَقِينٌ إِلاَّ أَنَّه ليسَ بيَقينِ عِيانٍ إِنَّما هو يَقِينُ تَدَبُّرٍ فأَّمَّا يَقينُ العِيانِ فَلا يُقالُ فيهِ إِلا عَلِمَ."([4])

قلت ويتأيد هذا بما سبق نقله عن ابن زيد في قوله: (الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم) قال: لأنهم لم يعاينوا، فكان ظنهم يقينا. وليس ظنا في شك. وقرأ: (إني ظننت أني ملاق حسابيه)."([5])

قلت: فكأن النكتة في التعبير بالظن دون اليقين في قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)} [البقرة: 45، 46]

أنه يقين بما لم يعاين ، وهذا المعنى لا يؤديه إلا لفظ الظن ؛ لأنه أخص من لفظ اليقين الذي يأتي عاما فيما عاينه المرء أو لم يعاينه.

قال تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) } [البقرة: 1 - 5]

قلت: ومن تتبع ألفاظ القرآن التي ورد فيها لفظ الظن تبين له دلالتها على معنى تصور ما لم يعاينه المرء تصورا يوقن به يقين المعاينة ؛ ولكن العبرة بمصدر هذا التصور والظن ؛ فإن كان مصدره إخبار عدل ثقة صدوق فيما يخبر كأخبار الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم – كان ذلك الظن والتصور صادقا، وإن كان مصدره إخبار كاذب أو دجال أو مفتر أو كاهن أو شيطان ونحوه ، أو هوى وأمانيَّ باطلة لا دليل لها كان ظنا كاذبا؛ وذلك ما نراه في الآيات التالية:

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: 78]

{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 154]

{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ } [الجاثية: 23، 24]

فالآية الأولى{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [البقرة: 78]

 تبين أن علمهم بالكتاب ليس إلا ظنا ؛ أي من وراء وراء ، وليس معناه الشك – وإن كان ذلك الظن في حقيقته لا يفيد اليقين - لأنه بغير معاينة للكتاب ولا مدارسة له ؛ فهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانيَّ يتمنونها ويقلدون فيها غيرهم وينسبونها إلى كتابهم ، ولم يقرأوه ؛ فمعنى الظن هنا هو تصور عن غيب دون معاينة ؛ يدعي صاحبه اليقين والقطع به بزعم باطل ، ولا يفيد يقينا لأن مصدره التقليد والوهم.

والآية الثانية: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ..} [آل عمران: 154]

تدل على تصوراتهم الباطلة عن الله تعالى ، وهي ظن لأنها تصورات عن غيب لا معاينة فيه ؛ لكنها لا تفيد يقينا – وإن ادعاه صاحبه – لأن مصدر تلك التصورات هي ظنون الجاهلية المبنية كذلك على تقليد ووهم بغير دليل.

وفي الآية الثالثة: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ } [الجاثية: 23، 24]

فهو ظن ، ووصفهم بأنهم يظنون ؛ لأنه تصور وإخبار عن غيب لم يعاينوا حقيقته ، وهو لا يفيد يقينا – وإن ادعوه – لأن مصدره مجرد الوهم وليس الخبر عن الصادق المصدوق.

وذلك ما نراه كذلك في قوله تعالى: {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [يونس: 60]

فعبر بالظن لأن اعتقاد وتصور فيما هو غيب عنهم ولم يعاينوه ، وهو يوم القيامة.

وكذلك قوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } [يوسف: 42]

فعبر بالظن هنا لا لأن اعتقاد يوسف كان شكا أو يقينا ؛ بل للتعبير عن أن هذا تصور ليوسف فيما هو غيب مما لم يعاينه.

وكذلك في قوله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12]

سمى اعتقاد المؤمنين في أنفسهم الخير ظنا ؛ لأنه إما أن يكون المقصود أنفس الظانين فناسب ذلك التعبير بالظن ؛ لأن المرء لا يزكي نفسه ، ولأنه إخبار عن غيب ؛ فهو لا يعلم ما تدوم عليه النفس ، وما تتقلب فيه من الأحوال ؛ فهو إخبار عن غيب كذلك وعما لم يعاين.

وإما أن يكون المقصود بأنفسهم إخوانهم من المؤمنين ؛ فهو إخبار عما لم يعاين كذلك ؛ إذ كيف يعاين المرء نفوس الآخرين ؛ وإن كان تصورهم ذلك تصور الموقن بذلك لحسن ظنهم بالمؤمنين حسبما أخبر الله عنهم.

وكذلك قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: 27]

سماه ظنا ؛ لأنه تصور لما لم يعاينوه ؛ قال تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: 51]

وكذلك قوله تعالى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح: 6] سماه ظنا ؛ لأنه تصور لما لم يعاينوه كذلك.

وكذلك قوله تعالى: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا} [الفتح: 12]

سمي تصورهم عن رجوع الرسول – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين إلى أهليهم ظنا ؛ لأن تصورهم بذلك كان قبل نجاة الرسول – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين ورجوعهم إلى أهليهم ؛ فهو تصور عما لم يعاينوه كذلك.

وكذلك قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)} [الانشقاق: 10 - 14]

أخبر عن تصور الكافر بالظن لا لبيان أنه يقطع بذلك أو يشك فيه ؛ بل لبيان أن هذا تصور لما غاب عنه ولم يعاينه ؛ سواء أيقن بذلك أو شك أو ظنه ظنا راجحا أو مرجوحا.

فالخلاصة في ذلك أن التعبير بالظن في القرآن الكريم يأتي لا للدلالة على الشك أو اليقين ؛ بل يأتي لبيان تصور ما لم يعاينه المرء ، والسياق والقرائن هي التي تبين درجة الاعتقاد في هذا التصور من حيث اليقين أو الشك أو كون الظن راجحا أو مرجوحا.

فإذا علم ذلك ؛ فليس لأحد أن يحمل الظن الوارد في اعتقاد أمور الغيب على ما دون اليقين ؛ فلا يجوز له أن يحتج بشيء مما ورد في ذلك بأنه يجوز الشك في الإيمان ، أو يكون إيمانه بظن راجح ، أو باعتقاد نسبي  ، أو نظرية نسبية كما يقولون ؛ بل لا بد من اعتقاده فيما أخبر الله تعالى به من أمور الغيب ، وصح به الخبر لديه بشروط الصحة التي يعتقدها لثبوت الأخبار أن كل ما أخبر الله تعالى به من ذلك حق مطلق لا يقبل الشك، ولا النسبية التي تجوز أن اعتقادي صواب يحتمل الخطأ ، واعتقاد المخالف خطأ يحتمل الصواب ؛ بل إن قائل ذلك في ثوابت العقيدة الثابتة بالنصوص المحكمة التي أجمعت الأمة على قطعية ثبوتها ودلالتها هو كافر باتفاق الأمة ؛ لا نعلم مخالفا في ذلك، وهذا بخلاف الاختلاف في المسائل الاعتقادية والأحكام الفقهية التي تثبت بأدلة ظنية الثبوت أو الدلالة ؛ فمثل هذا يصح أن يقال فيه (اعتقادي صواب يحتمل الخطأ ، واعتقاد المخالف خطأ يحتمل الصواب)

فهذا أمر لا بد من تقريره والاتفاق عليه ، والتفريق فيه بين النصوص الثوابت المحكمة التي تفيد القطع ، وبين النصوص الظنية المتشابهة التي يقبل فيها الخلاف.

وهنا يأتي دور السياق والقرائن في بيان ما يحمل فيه الظن على التصور اليقيني أو التصور الراجح أو المشكوك فيه ، ونحو ذلك؛ فلا بد هنا من نظرة مرجعية بنيوية نصية شاملة تنظر إلى الوحي ( القرآن الكريم) باعتباره نصا واحدا ومقالة واحدة لها مرجعية متناصة معها في السنة الصحيحة ولذا لا بد من اعتبارها كذلك في مرجعية دلالة الألفاظ.

فقد ثبت في الآيات المحكمات في القرآن الكريم أن الإيمان الصحيح لا يقبل فيه الشك ، وأنه لا يكون إلا عن يقين ؛ قال تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) } [البقرة: 1 - 5]

{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة: 118]

{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة: 50]

{طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)} [النمل: 1 - 3]

{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ } [النمل: 82]

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60) } [الروم: 58 - 60]

{الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (3) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)} [لقمان: 1 - 5]

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 23، 24]

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [الجاثية: 1 - 4]

{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [الجاثية: 18 - 20]

{ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} [الطور: 33 - 36]

وقال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [سبأ: 20، 21]

فانظر كيف قابل الله تعالى بين الإيمان والشك ؛ فجعل المقابل للإيمان هنا هو الشك وليس الكفر ؛ إذ إن مجرد الشك كاف في نقض الإيمان والوقوع في الكفر.

والذي يستقرئ نصوص الكتاب والسنة الصحيحة يجدها تتواطأ على وجوب أن يكون الإيمان عن يقين لا يقبل الشك سواء كان الإيمان بالله تعالى أو ملائكته أو كتبه ورسله واليوم الآخر أو القدر خيره وشره.

فإذا جاء التعبير بالظن مقترنا بشيء من هذه الأمور أو متعلقاتها دل ذلك على أن المراد به هو التصور اليقيني لا غير.

وعلى هذا يحمل ما ورد عن بعض السلف من قولهم : "كل ظن في القرآن فهو علم." ([6])

"فعن مجاهد، قال: كل ظن في القرآن يقين"([7])

ومن المعلوم أن منهج أهل السنة في التعامل مع نصوص القرآن الكريم يكون برد المتشابه إلى المحكم ؛ ولفظ الظن من المتشابه الذي يحتمل أكثر من معنى ؛ لأنه لا يدل في ذاته إلا على مجرد تصور ما غاب عن المرء وما لم يعاينه ، ومن ثم احتمل الدلالة على ما يوقن المرء بتصوره له وما يظنه راجحا أو مرجوحا أو يتردد ويشك فيه؛ ومن ثم لم يجز حمل اللفظ على أحد هذه المعاني إلا بالرجوع إلى قرائن السياق ومرجعيات اللفظ في نصوص الكتاب والسنة الصحيحة.

([1]) تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (1/ 18)، قال محققه:" الأصمعيات: 23، وشرح الحماسة 2: 156، ومجاز القرآن لأبي عبيدة: 40، وسيأتي غير منسوب في 25: 83، وغير منسوب في 13: 58 برواية أخرى: "فظنوا بألفي فارس متلبب"، وقبل البيت في رواية الأصمعي:

 وقلت لعارض، وأصحاب عارض ... ورهط بني السوداء، والقوم شهدي

علانية ظنوا. . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ."

([2]) تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (1/ 18)

([3])المفردات في غريب القرآن (ص: 540)

([4])المحكم والمحيط الأعظم – تحقيق د/ عبد الحميد هنداوي (10/ 8)،ولسان العرب (ظنن) 13/272، والقاموس (ظنن) 35/365

([5]) تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (1/ 18)

([6]) تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (1/ 18)

([7]) تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (1/ 19)