13 May، 2024 ما ذنبنا إذا غلط سيبويه؟ أ.د محمد عطا – آداب طنطا

بسم الله الرحمن الرحيم ما ذنبنا إذا غلط سيبويه؟

مقال للأستاذ الدكتور محمد عطا الأستاذ بآداب طنطا ترددت كثيرا في كتابة هذا المقال وما دفعنى إلى كتابته إلا ما وجدته من حفاوة من زملائى الأعزاء في اللغة والأدب، والدراسات الإسلامية بعد مناقشته معهم . ففي إحدى رسائل الماجستير التي ناقشتها وجدت الباحث قد نقل عن إمام من أئمة الزيدية ـ أقرب فرق الشيعة إلى أهل السنة ـ بيتا من الشعر نصه : معاوى إننا بشرُ فأسجح فلسنا بالجبال ولا الحديدا وقد استشهد به هذا الإمام على أن القراءة القرآنية في قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ..." (المائدة6) بالنصب في " وَأَرْجُلَكُمْ " أرجح من قراءتها بالجر، وعلى الرغم من أن القراءتين صحيحتان لكنه يرجح قراءة النصب؛ لأن العرب تنصب على الجوار أو المجاورة، وأن سيبويه قد أورد هذا البيت دليلا على ذلك (1). وإلى هنا والأمر لا غرابة فيه؛ لكن ألا ترى معى كيف يجمع هذا الشاهد بين النحو واللغة والأدب والقراءات القرآنية؟ لقد أغرانى هذا الجمع بتتبع هذا الشاهد لأعرف قائله؛ فأسلمتنى المصادر إلى العقد الفريد لابن عبد ربه؛ فوجدت فيه عنوانا غريبا هو " باب ما غلط فيه على الشعراء" ثم قال تحت هذا العنوان ما يأتي : ( وأكثر ما أدرك على الشعراء ـ يقصد سيبوية ــ له مجاز وتوجيه حسن، ولكن أصحاب اللغة لا ينصفونهم، وربما غلطوا عليهم وتأوّلوا غير معانيهم التي ذهبوا إليها؛ فمن ذلك قول سيبويه واستشهد ببيت في كتابه في إعراب الشيء على المعنى لا على اللفظ وأخطأ فيه: معاوي إنّنا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا كذا رواه سيبويه على النصب، وزعم أن إعرابه على معنى الخبر الذي في «ليس» ، وإنما قاله الشاعر على الخفض، والشعر كله مخفوض، فما كان يضطره أن ينصب هذا البيت ويحتال على إعرابه بهذه الحيلة الضعيفة، وإنما الشعر [ لابن الزبير الأسدى ونصه ]: معاوي إنّنا بشر فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدِ أكلتم أرضنا فجردتموها ... فهل من قائم أو من حصيدِ أتطمع في الخلود إذا هلكنا ... وليس لنا ولا لك من خلودِ فهبنا أمّة هلكت ضياعا ... يزيد أميرها وأبو يزيدِ ( 2) لقد كشف ابن عبد ربه عن أحد أخطاء سيبوية النحوية لكنه لم يتتبع أثر ذلك في القراءات ولا في الفقه ولا في العقائد! وهو أمر جدير بالبحث: أما في القراءات فقد رجح بعض العلماء اعتمادا على هذا الشاهد ــ قراءة النصب على قراءة الخفض كما ذكرنا آنفا، وأما في الفقه فقد فرع الإمام الحنفى المذهب أبو بكر الجصاص ( ت 370هـ ) مسألة فقهية في أحكام الوضوء وهى جواز المسح والغسل للقدمين ؛ فقال: "وَلَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقِرَاءَتَيْنِ مُحْتَمِلَةٌ لِلْمَسْحِ بِعَطْفِهَا عَلَى الرَّأْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْغَسْلُ بِعَطْفِهَا عَلَى الْمَغْسُولِ مِنْ الْأَعْضَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: " وَأَرْجُلَكُمْ " بِالنَّصْبِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ فَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الرَّأْسِ فَيُرَادُ بِهَا الْمَسْحُ وَإِنْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمَعْنَى لَا عَلَى اللَّفْظِ لِأَنَّ الْمَمْسُوحَ بِهِ مَفْعُولٌ بِهِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ. مُعَاوِيَةَ إنَّنَا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ ... فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا فَنَصَبَ الْحَدِيدَ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجِبَالِ بِالْمَعْنَى وَيُحْتَمَلُ قِرَاءَةُ الْخَفْضِ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى الرَّأْسِ فَيُرَادُ بِهِ الْمَسْحُ وَيُحْتَمَلُ عَطْفُهُ عَلَى الْغَسْلِ وَيَكُونُ مَخْفُوضًا بِالْمُجَاوِرَةِ) (3) ولا يقف الاستشهاد بهذا البيت الذى غلط فيه سيبويه على الشاعر ابن الزبير الأسدى عند حد القراءات والفقه؛ بل تعدى إلى العقيدة أيضا! فقد احتج بهذا البيت الذى غلط فيه سيبويه الإمام يوسف الثلائى اليمنى الشيعي الزيدى على الإمام المقداد السيورى الشيعي الإمامى: فالأول يرجح غسل القدمين في الوضوء ، والثانى يوجب المسح فيهما ولا يرى الغسل بحال! والأول يرى في ذلك تمييزا لفرقته الزيدية وبيانا لتمسكها بالسنة النبوية الصحيحة! والثانى يرى في المسح تمييزا لفرقته الإمامية وبيانا لتمسكها بما عليه أئمتها الإثنى عشرية ! (4 ) والسؤال الذى يوجبه المقال: إذا كان سيبويه قد غلط كما أثبت ذلك ابن عبد ربه، فهذا يخص علماء النحو واللغة والأدب فما ذبنا نحن في الدراسات الإسلام…