12 May، 2024 شرح الأربعين النووية. الحديث السابع . أ.د/ عبد الحميد هنداوي

الحديث السابع

"الدين النصيحة"

عَنْ أَبِي رُقَيَّةَ تَمِيمِ بْنِ أَوْسٍ الدَّارِيِّ t أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  r قَالَ: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" . رَوَاهُ مُسْلِمٌ [رقم: 55].  

النصيحة: هي إخلاص الناصح للمنصوح له ؛وذلك بتصفية النفس من الغش للمنصوح له ، وهي من قولهم نصح العسل إذا خلص مما فيه من الشوائب ؛ وكذلك الناصح إذا خلص قلبه لمن ينصح له اقتضى ذلك محبته وموالاته ونصرته ودلالته على الخير لمن يحتاج ذلك ؛ ولكون تلك الدلالة على الخير والهداية إليه لا تكون بحق إلا لمن خلص قلبه من الغش للمنصوح له خصصت بها في أغلب إطلاقاتها ؛ حتى إذا قيل نصح فلان لفلان لم يفهم منها غالبا إلا دلالته على ما فيه نفعه من الخير ؛ وإلا فإن مطلق النصح هو الإخلاص للمنصوح له ؛ ومن ثم أدخل النبي r في الحديث : النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.

فالنصيحة لله: إنما تكون بمعنى إخلاص القلب له سبحانه ؛ وذلك إنما يكون بالإيمان به ونفي الشريك عنه، ووصفه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، وتنزيهه عن جميع النقائص. والرغبة في محابه بفعل طاعته، والرهبة من مساخطه بترك معصيته.وكذلك النصيحة لكتابه: تكون بالإيمان به ، وتلاوته حق تلاوته وتعظيمه، وإقامة حدوده وشرائعه ، والعمل بما فيه والدعاء إليه.

وكذلك النصيحة لرسوله r : تكون بالإيمان برسالته، وبجميع ما جاء به وطاعته، وإحياء سنته بتعلمها وتعليمها، والإقتداء به في أقوله وأفعاله، ومحبته ومحبة أتباعه.

أما النصيحة لأئمة المسلمين : من القادة والولاة والأمراء ونحوهم فتكون بإعانتهم على إقامة دين الله تعالى ، وإصلاح أحوال الرعية ، وطاعتهم في طاعة الله تعالى ، مع النصح لهم بدلاتهم على الخير ، مع الترفق بهم ، وتنزيلهم منازلهم ، ومعرفة مكانتهم وتوقيرهم، وتبليغهم حاجات المسلمين، والجهاد معهم والصلاة خلفهم، وأداء الزكاة إليهم وترك الخروج عليهم بالسيف إذا ظهر منهم حيف، وجمع الكلمة عليهم ما لم يأتوا بكفر بواح عندنا فيه من الله برهان ، والدعاء لهم بالصلاح.

وأما النصيحة لأئمة العلم : فالنصيحة لهم بالدعوة إلى التعلم منهم ، ولزوم مجالسهم ، ومحبتهم وتوقيرهم ، وبث علومهم ونشر مناقبهم، وإحسان الظن بهم.

وأما النصيحة لعامة المسلمين: فتكون بمحبتهم والشفقة عليهم، وإرشادهم إلى ما فيه خير دينهم ودنياهم ، والسعي فيما يعود نفعه عليهم، وكف الأذى عنهم، وأن بحب لهم ما يحب لنفسه،ويكره لهم ما يكره لنفسه.

ويستفاد من الحديث:

1- عظم أمر بالنصيحة ، وأهميتها لصلاح أمر المسلمين.
2- أنها تسمى دينا وإسلاما.
3- أن الدين والإيمان قول وعمل ، ومن العمل ما جاء الأمر به في هذا الحديث من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، وهي تشمل : الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
4- من الطرق النبوية في التعليم ما يشبه الإلغاز للحاضرين ؛ وذلك بعدم تلقينهم كل شيء ؛ بل يترك لهم مساحة للنظر والتفكر ؛ وذلك لقول النبي r : ( الدين النصيحة ) دون تفسير لها حتى سأله أصحابه عنها.
5- تشويق السامعين وإثارتهم لمعرفة ما يلقى عليهم.
6- وجوب النصح لله ولكتابه ولرسوله بالإيمان وما يقتضيه ذلك الإيمان من الولاء والطاعة.
7- وجوب النصح لأئمة المسلمين بالإخلاص لهم ونصرتهم وإعانتهم على إصلاح الدين والدنيا.
8- وجوب النصح لكل مسلم.
9- حرص الصحابة على معرفة أمور الدِّين، وذلك بسؤالهم لِمَن تكون النصيحة.