12 May، 2024 شرح الأربعين النووية. الحديث التاسع. أ.د/ عبد الحميد هنداوي

الحديث التاسع

"ما نهيتكم عنه فاجتنبوه"

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ t قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ rيَقُولُ: "مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ [رقم:7288]، وَمُسْلِمٌ [رقم:1337].  

شرح الحديث :

وقوله صلى الله عليه وسلم: "وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" هذا من قواعد الإسلام المهمة ومما أوتيه صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام كالصلاة إذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي وإذا عجز عن غسل بعض أعضاء الوضوء غسل الممكن وكذلك إذا وجبت فطرة جماعة ممن يلزمه نفقتهم وكذلك أيضاً في إزالة المنكرات إذا لم يمكنه إزالة جميعها فعل الممكن وأشباه ذلك مما لا ينحصر وهو مشهور في كتب الفقه. وهذا الحديث كقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} سورة التغابن: الآية 16.

وأما قوله تعالى: {يا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} سورة آل عمران: الآية 102. فقيل منسوخة بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} . قال بعضهم: والصحيح أنها ليست منسوخة بها، بل هي مفسرة لها، ومبينة للمراد منها قالوا: وحق تقاته هو امتثال أمره واجتناب نواهيه، والله سبحانه لم يأمر إلا بالمستطاع، فإن الله تعالى قال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} سورة البقرة: الآية 286. وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} سورة الحج: الآية 78.

وأما قوله عليه الصلاة والسلام: "وما نهيتكم عنه فاجتنبوه" فهذا على إطلاقه لكن إن وجد عذر يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة ونحوه فهذا لا يكون منهياً عنه في هذا الحال. وأما في غير حال العذر فلا يكون ممتثلاً لمقتضى النهي حتى يترك كل ما نهى عنه ولا يخرج عنه بترك فعل واحد بخلاف الأمر.

وقوله: "فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم" وذكر ذلك بعد قوله: "ذرونى ما تركتكم" أراد: لا تكثروا السؤال فربما يكثر الجواب عليه فيضاهي () ذلك قصة بني إسرائيل لما قيل لهم: "اذبحوا بقرة" فإنهم لو اقتصروا على ما يصدق عليه اللفظ وبادروا إلى ذبح أي بقرة كانت أجزأت عنهم لكن لما أكثروا السؤال وشددوا شُدِّد عليهم وذُمُّوا على ذلك فخاف النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك على أمته.