10 May، 2024 شرح الأربعين النووية. الحديث العاشر . أ.د/ عبد الحميد هنداوي

الحديث العاشر

"إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا"

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r "إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا"، وَقَالَ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ" ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟".

رَوَاهُ مُسْلِمٌ [رقم:1015].  

معاني الكلمات:

طيب: مقدس منزه عن النقائص والعيوب.

لا يقبل: من الأعمال والأموال.

إلا طيبا: وهو من الأعمال ما كان خاليا من الرياء والعجب، وغيرهما من المفسدات، من الأموال الحلال الخالص.

بما أمر به المرسلين: من الأكل من الطيبات والعمل الصالح.

أشعث. جعد الرأس.

أغبر: مغبر اللون لطول سفره في الطاعات.

يمد يديه: يرفعها بالدعاء إلى الله تعالى.

غذى: بضم الغين المعجمة وتخفيف الذال المكسورة.

فأنى يستجاب له: من أين يستجاب لمن هذه صفته. والمراد أنه ليس أهلا للإجابة، وليس صريحا في استحالتها بالكلية.

شرح الحديث وأهم فوائده:

قال ابن دقيق :"هذا الحديث أحد الأحاديث التي عليها قواعد الإسلام ومباني الأحكام، وفيه الحث على الإنفاق من الحلال والنهى عن الإنفاق من غيره وأن المأكول والمشروب والملبوس ونحوها ينبغي أن يكون حلالاً خالصاً لا شبهة فيه وأن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره، وفيه أن العبد إذا أنفق نفقة طيبة فهي التي تزكو وتنمو وأن الطعام اللذيذ غير المباح يكون وبالاً على آكله ولا يقبل الله عمله."

وقوله: ثم ذكر "الرجل يطيل السفر أشعث أغبر" إلى آخره: معناه - والله أعلم - يطيل السفر في وجوه الطاعات: الحج وجهاد وغير ذلك من وجوه البر ومع هذا فلا يستجاب له لكون مطعمه ومشربه وملبسه حراماً فكيف هو بمن هو منهمك في الدنيا أو في مظالم العباد أو من الغافلين عن أنواع العبادات والخير.

وقوله: "يمد يديه" أي يرفعهما بالدعاء لله مع مخالفته وعصيانه، قوله: "وغُذي بالحرام" هو بضم الغين المعجمة وتخفيف الذال المكسورة. وقوله: "فأنى يستجاب له؟ " وفي رواية: "فأنى يستجاب لذلك؟ " يعني من أين يستجاب لمن هذه صفته، فإنه ليس أهلاً للإجابة، لكن يجوز أن يستجيب الله تعالى له تفضلا ولطفاً وكرماً والله أعلم."

يستفاد من الحديث:

1- من أسماء الله تعالى وصفاته الطيِّب، وهو المنَزَّه عن النقائص والعيوب ، تعالى ربنا وتقدس.
2- النهي عن التقرب إلى الله في الصدقة وغيرها بغير الطيب من الأقوال والأفعال والأموال .
3- إباحة الله تعالى الأكل من الطيبات للمؤمنين.
4- الحث على الإنفاق من الحلال.
5- النهي عن الإنفاق من الحرام.
6- إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ؛ فرضي لهم في ذلك ما رضيه لخير خلقه.
7- أن أكل الحرام مما يمنع قبول العمل وإجابة الدعاء.
8- أن السفر المباح وما كان في طاعة الله من أسباب قبول الدعاء.
9- أنَّ من أسباب قبوله أيضاً رفع اليدين بالدعاء.
10- أنَّ من أسبابه أيضاً التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته.
11- أنَّ من أسبابه أيضا الإلحاح على الله تعالى فيه.