27 April، 2024 قضية : هل يوجد ترادف في القرآن الكريم؟ تابع لمقال الفارق بين القرآن والكتاب والذكر – د عبد الحميد هنداوي

قضية : هل يوجد ترادف في القرآن الكريم؟ اختلف دارسو اللغة في قضية وجود المترادف في اللغة بين ناف ومثبت، وإذا أردنا أن نخصص البحث بالقرآن الكريم ؛ فقد تميل الكفة إلى نفي الترادف في القرآن الكريم؛ وهذا ما يتكئ عليه الذين يفرقون بين ماهيات القرآن والكتاب والذكر في القرآن الكريم. وبادئ ذي بدء لا بد أن نوضح ما هو الترادف المنفي عن القرآن الكريم؛ خاصة في هذه المسألة بعينها؟ لا شك أن الترادف المنفي عن القرآن الكريم في هذه المسألة هو أن تقول : إن معنى كلمة القرآن في اللغة تترادف تماما من حيث دلالتها مع كلمة الكتاب وكلاهما يترادفان مع كلمة الذكر؛ وهذا لا يمكن أن يقول به أحد من أهل اللغة. ولكن: لم يقل كذلك أحد من أهل اللغة ولا أهل الشريعة ولا أهل المنطق قبل هؤلاء السفهاء السخفاء أن تلك الكلمات الثلاثة : القرآن والكتاب والذكر إنما تدل على ثلاثة ماهيات مختلفة أو متغايرة؛ فهذا أيضا ما لم بقل به أحد. وإنما الذي عليه جميع أهل اللغة وأهل التفسير وأهل الشريعة وأهل المنطق أن القرآن والكتاب والذكر والفرقان وغيرها من أسماء القرآن إنما هي مسميات لمسمى واحد يدل كل اسم منها على صفة غير الصفة الأخرى؛ وذلك كما تقول في صفات الله تعالى الرحمن الرحيم العليم الكريم اللطيف الخبير...إلخ أسمائه الحسنى ؛ فهذه الأسماء قطعا ليست مترادفة ...ولكن من قال إنها تدل على ذوات مختلفة كفر؛ فليس الرحيم غير العليم، ولا العليم غير القدير...إلخ. وكذلك الأمر هنا فهذه كلها : القرآن والكتاب والذكر والفرقان وغيرها إنما تدل على شيء واحد هو القرآن الكريم ؛ حيث دل السياق على ذلك؛ وهي بلا شك - مع ذلك - ليست مترادفة بمعنى أن كل واحدة منها لها دلالات لغوية تدل على صفات للكتاب ليست في الكلمات الأخر؛ وذلك كما اعتادت العرب أن تضع للشيء الأسماء الكثيرة ؛ وكل اسم يدل على صفة غير الأخرى ؛ مع كون كل تلك الأسماء الموضوعة تدل على ذات واحدة ؛ ومن ثم وضعوا أسماء عديدة للسيف ؛ مثل: السيف والحسام والبتار والصمصام والمهند ...؛ وكل اسم منها يدل على صفة في السيف غير الأخرى والجميع يدل على السيف حيث دل السياق على ذلك؛ لأن الكلمة قد تشترك في الدلالة على عدة مسميات والسياق هو الذي يفرق ويبين المراد.   وكذلك وضعت العرب الأسماء الكثيرة للأسد مثل الأسد والليث وأسامة والهزبر والقسورة، ووضعت أسماء عديدة للنوق، وأسماء عديدة للخيل وأسماء عديدة للعسل وغير ذلك. هذا من جهة اللغة والمنطق ؛ أما من جهة نصوص القرآن الدالة على أن القرآن يقال له الكتاب ويقال له الذكر؛ فالنصوص في ذلك كثيرة ، وسوف نلج إلى بيانها تفصيلا. ونبين أوجه الاستدلال بها؛ فمن تلك النصوص: قال تعالى: : {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان:1-3]. { أَنْزَلْنَاهُ }: أي الكتاب الذي هو القرآن {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}. وفي سورة يوسف: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف:1،2]. { أَنْزَلْنَاهُ } أي: الكتاب {قُرْآنًا عَرَبِيًّا}. وفي سورة الزخرف: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف:1-3]. وفي سورة فُصِّلت: {حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت:1-3]، كتابٌ فُصِّلت آياته قرآنًا عربيًا، ففي نفس الآية ذُكر الكتاب والقرآن. ونجد ذلك في سياق واحد، فالله تعالى يقول في سورة فُصِّلت: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ – أي: الذكر- لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:41، 42]. ثم قال بعدها: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ – أي: الكتاب أو الذكر - قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ } [فصلت:44] فالذكر هو الكتاب وهو القرآن.