28 April، 2024 أ.د عبد الحميد هنداوي. موائد الرحمن كيف تكون مظهرًا لسماحة الإسلام

موائد الرحمن كيف تكون مظهرًا لسماحة الإسلام إنَّ موائد الرحمن من الأمور والأفعال المستحبة والمندوبة في شهر رمضان المبارك، وهي صورة طيبة من صور التكافل بين المسلمين، وهناك نصوص عديدة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة تحث على إقامة الموائد؛ حيث تكون الدعوة إليها عامة للأغنياء والفقراء على حد سواء، قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾[الإنسان: 9] وعن أبي موسى الأشعري عن النبي r: "أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني"<البخاري، ح(5373).> وأخرج أحمد والترمذي وغيرهما من حديث عبد الله بن سلام: كان أول شيء تكلم به -يعني النبي r عند قدومه المدينة- قال: "أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام". وفي الترمذي وغيره من حديث زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله r: "من فطر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئًا". وقد ذم رسول الله r الولائم والمآدب التي تكون خاصة بالأغنياء دون الفقراء ويصفها بأنها شر المآدب، عن أبي هريرة t أنه كان يقول: "شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء ويترك الفقراء، ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله" <البخاري، (5177)- مسلم، (1432).>. وحينما تقام هذه الموائد في صورة كريمة يدعى إليها الغني والفقير؛ فإن هذا الفقير لا يشعر بشيء من الخزي أو الإذلال، فهي بذلك تحقق معنى من المعاني والمقاصد التي يدعو إليها الإسلام لتحقيق التآخي فضلاً عن تحقيقها التكافل بين المسلمين والشعور بالأخوة في أسمى معانيها. دعوة كريمة وينبغي على القائمين على أمر هذه الموائد الرمضانية أن يراعوا أمورًا كثيرة شرعية يحض عليها الدين الإسلامي حتى لا تضيع أجورهم هباءً منثورًا، ومن تلك الأمور: البعد كل البعد عن الرياء والمفاخرة والمباهاة؛ فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: "قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" <مسلم، (2985).>. كما أن عليهم حسن استقبال الفقراء وعدم إشعارهم بأنهم في حاجة؛ وذلك بأن تعرض عليهم الدعوة إلى هذه الموائد في صورة كريمة تأسيًا بفعل إبراهيم u مع أضيافه الملائكة: ﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ﴾[الذاريات: 27]. ويرى المدعو الفقير أن تلبية هذه الدعوة من الأمور التي حض عليها الإسلام، كما قال رسول الله r: "إذا دعيتم فلبوا"، وهنا لا يظهر الفقير في صورة المتسول أو طالب الإحسان. ومشاركة الأغنياء والقائمين على الموائد تجعل الفقراء بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة لا يشعرون بأنها مقصورة على ذوي الحاجة فقط. لا للإحراج لتغيير نظرة أفراد المجتمع المصري تجاه مرتادي موائد الرحمن في شهر رمضان نرى أن تطوير إقامة الموائد والدعوة إليها بشكل حضاري ولائق أصبحا من الأمور الهامة لتحقيق الهدف من إقامة هذه الموائد، كأن يقوم أصحاب الموائد بعمل سرادقات جيدة تليق بالمدعوين ومرتادي الموائد، كذلك طبع دعوات ورقية توزع على المحتاجين بصفة خاصة من أهالي المنطقة التي تقام فيها المائدة؛ بحيث يشعر هؤلاء بأنها دعوة أكثر منها إحسانًا وتصدقًا عليهم، وأيضًا على القائمين على هذه الموائد أن يتلمسوا الفقراء وذوي الحاجة المتعففين الذين وصفهم الله U في كتابه الكريم: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾[البقرة: 273 ]. ونرى أنه من الأفضل -إذا تيسر- أن تكون موائد الرحمن أشبه بدور الضيافة لتتسع لعابري السبيل سواء الأغنياء أو الفقراء؛ لأن كثيرًا من الصائمين معرضون وهم في سعيهم على معاشهم ألا يدركوا الإفطار في منازلهم، ويأتي وقت الإفطار وهم في الطريق أو في الشارع، فإذا كانت هذه الموائد مقامة في شكل كريم ولائق وبدعوة طيبة من القائمين عليها؛ فإن عابر السبيل في هذه الحالة لا يحرج ولا يستنكف من تلبية دعوة حضوره للمائدة لظرفه الطارئ والذي منعه من الإفطار في بيته. دور الدولة نشير إلى أن دور رئاسة الحي بالنسبة لهذه الموائد يجب أن يكون له تواجد فعال في صورة الإشراف عليها؛ لضبط الأمور وتأمين الموائد والسرادقات المقامة ضد الحرائق، والإشراف الصحي عن طريق لجنة صحية تمر على هذه الموائد لتتأكد من مدى صلاحية الأطعمة والمشروبات المقدمة لعباد الرحمن الذين يرتادون هذه الموائد، وكذلك التأكد من نظافة الأوعية والأواني التي يطهى فيها الطعام ومراعاة المظهر اللائق. هنا تتكامل المنظومة الإسلامية العظيمة التي تعبر عن مظهر طيب من مظاهر التكافل والتآخي بين المسلمين، وتكون عنوانًا لسماحة الإسلام.