10 May، 2024 الإعجاز البلاغي في قوله تعالي(في مقعد صدق) أ.د أحمد درويش

الإعجاز البلاغي في قوله تعالي(في مقعد صدق) أ.د أحمد درويش مما قلته في شرحي لقوله تعالى: " في مقعد صدق " في كتابي البلاغة القرآنية للمشتقات في قصص الأنبياء "في مقعد صدق" ... ما حكمة ذكر ( مقعد) لا ( مجلس) ؟ يقول ربنا في آخر سورة القمر ﴿إِنَّ المُتَّقينَ في جَنّاتٍ وَنَهَرٍ۝في مَقعَدِ صِدقٍ عِندَ مَليكٍ مُقتَدِرٍ﴾ [القمر: ٥٤-٥٥] يقول ابن عادل الدمشقي في تفسيره الراقي ( اللباب في علوم الكتاب ) : " في مقعد صدق ولم يقل : في مجلس صدق ؛ لأن القعود جلوس فيه مكث ، ومنه ( قواعد البيت ) ( والقواعد من النساء ) ، ولا يقال : (جوالس) ؛ فأشار إلى دوامه وثباته ، ولأن حروف ( ق ع د) كيف دارت تدل على ذلك( أي الثبات والدوام ) ، والاستعمال في القعود يدل على ذلك ، ومنه ( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ) ( مقاعد للقتال) ، فذكر المقعد لدوامه أو لطوله ، وقال في المجلس ( تفسحوا في المجالس ) ؛ إشارة إلى الحركة ، وقال : ( انشزوا) إلى ترك الجلوس أي هو مجلس فلا يجب ملازمته بخلاف المقعد ) " قلت : وهذا يؤكد غاية التكريم والاطمئنان والتقدير ؛ ذلك أن النفس عندما تطمئن إلى ثبات موقعها تأنس به كثيرا ، فإذا ما علمت بزواله استوحشت ويئست ، ومن أجل ذلك نرى أن الحق في غالب ذكر الجنات يذكر ( خالدين فيها ) ؛ تثبيتا لقلب المؤمن وأنه لن يزول منه ، فيتملكه الإحساس بالأنس ... لذا كان ( مقعد) في غالب حاله دالا على الثبات ... فلا يكون فيه استفزاز أو زوال بعبارة ابن عاشور ... ويأتي المضاف إليه ( صدق) حاملا شحنة من الأمل وقتل التعلق بمقاعد الدنيا ؛ فاللفظ من طرف خفي يقول : إن كل مقاعد الدنيا كذب في كذب ؛ لأنها زائلة ، والمقعد الحقيقي هو المقعد الواقع بجوار الله ... فلا يعتريه كذب أو رياء ... وبلاغة التعبير هنا آتية من خلال التعبير عن مقعد ب ( صدق ) وكان يمكن أن يقال ( مقعد صادق ) ، لكن الله يريد أن يقول ... فيما أفهم ...: إنه المقعد الذي جمع كل الصدق ، واستولى على مقاماته العلية ؛ مبالغة في الصدقية والدوام ، وتمكينا لهذا الموضع وتوكيدا ، فالمقعد صدق ، لا يعلوه إلا الصادقون الطائعون ... والحمد لله أولا وأخيراً د. أحمد درويش